الصفحة الإسلامية

اشارات السيد محمد سعيد الحكيم قدس سره عن القرآن الكريم من سورة يونس (ح 89)


الدكتور فاضل حسن شريف

ي كتاب اصول العقيدة للسيد محمد سعيد الحكيم قدس سره: التوحيد أمر فطري ارتكازي: وهو أمر قد فطر الإنسان عليه مهما كابر وغالط، وقد تركز في أعماق نفسه وانطوى عليه ضميره بطبعه من دون تكلف، ولا حاجة للاستدلال. ويبدو إذعان الجاحد به المكابر فيه عندما تحيط به المشاكل والمخاطر ويضيق به، فينهار أمامه، ويفقد السيطرة على نفسه، فلا يقوى على كتمان ما انطوت عليه، وينسى مكابرته وجحوده، ويتجه لاإرادياً لهذا المدبر القادر، ويلجأ إليه في محنته ـ وكأنه حاضر عنده لا يغيب عنه ـ مخاطباً له طالباً نجدته. قال الله تعالى: "وَإذَا مَسَّ الإنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أو قَاعِداً أو قَائِماً فَلَمَّا كَشَفنَا عَنهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأن لَم يَدعُنَا إلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلمُسرِفِينَ مَا كَانُوا يَعمَلُونَ" (يونس 12). وقال عزّ من قائل: "هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُم فِي البَرِّ وَالبَحرِ حَتَّى إذَا كُنتُم فِي الفُلكِ وَجَرَينَ بِهِم بِرِيح طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُم المَوجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أنَّهُم أُحِيطَ بِهِم دَعَوا اللهَ مُخلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِن أنجَيتَنَا مِن هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِن الشَّاكِرِينَ" (يونس 20). وفي الحديث: (قال رجل للصادق عليه السلام: يا ابن رسول الله دلّني على الله ما هو؟ فقد أكثر عليّ المجادلون وحيروني. فقال له: يا عبد الله هل ركبت سفينة قط؟ قال: نعم. قال: فهل كسرت بك حيث لا سفينة تنجيك ولا سباحة تغنيك؟ قال: نعم. قال: فهل تعلق قلبك هناك أن شيئاً من الأشياء قادر على أن يخلصك من ورطتك؟ قال: نعم. قال الصادق عليه السلام: فذلك الشيء هو الله القادر على الإنجاء حيث لا منجي، وعلى الإغاثة حيث لا مغيث). صدق النبي في دعوى النبوة دالّ على التوحيد. أضف إلى ذلك أن التوحيد قد تبناه بإصرار دين الإسلام العظيم الذي جاء به نبينا الأمين صلى الله عليه وآله وسلم، فكلما دلّ على صدق النبي صلى الله عليه وآله وسلم في نبوته وفيما بلّغ به مما يأتي في محله إن شاء الله تعالى يدلّ على التوحيد، لأنه أساس دين الإسلام، وأول أمر ادعاه صلى الله عليه وآله وسلم ودعا الناس إلى الإقرار به، وعليه أكد القرآن المجيد الذي هو معجزته الخالدة. كما لا يخفى. بل هو مما تبنته الأديان السماوية جميع، وحتى بعض الأديان الأخرى. وأما ما اعتنقته بعض الطوائف المسيحية من التثليث، فمن البعيد جداً رجوعه إلى تعدد الخالق المدبر للكون. بل الظاهر رجوعه إلى أن الخالق الواحد قد اتحد مع الأقانيم، فاستحق الكل العبادة. وإن كان تحديد مرادهم في غاية الإشكال. على أن الظاهر أن عقيدة التثليث طارئة على المسيحية، والأمر ليس بمهم بعد ما سبق. ومع كل ذلك فيحسن بنا الاستدلال على التوحيد تأكيداً للحجة، وقطعاً للمعاذير، ولسدّ الطريق على المكابر والمعاند. وينحصر الدليل عليه ـ بعد ما سبق ـ بالعقل، الذي تقدم في التمهيد التنبيه لأهميته، وأن عليه المدار، وأنه الحجة الباطنة، كما تضمنته الأخبار. ومن الظاهر أن التوحيد يرجع إلى أمرين: إثبات الخالق، وأنه واحد لا شريك له، فالكلام فيه يقع في فصلين.

عن كتاب اصول العقيدة للسيد محمد سعيد الحكيم قدس سره: لابد في الاعتقاد من قيام الدليل الكافي: نعم، لابد في الاعتقاد بالشيء والإذعان به من قيام الدليل عليه، وحصول العلم به، ويحرم التسرع في ذلك ظناً وتخرصاً من دون بيّنة وبصيرة، كما سبق. وهو افتراء على الله تعالى، بل أقبح الافتراء ومن أعظم المحرمات، بضرورة الدين. قال الله تعالى: "قُل إنَّ الَّذِينَ يَفتَرُونَ عَلَى الله الكَذِبَ لاَ يُفلِحُونَ * مَتَاعٌ فِي الدُّنيَا ثُمَّ إلَينَا مَرجِعُهُم ثُمَّ نُذِيقُهُم العَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا كَانُوا يَكفُرُونَ" (يونس 69-70). ووضوح ذلك يغني عن استكثار الأدلة عليه. وكما يحرم الاعتقاد بالشيء من دون دليل عليه، يحرم أيضاً الاعتقاد بعدمه من دون دليل، لأنه افتراء أيضاً وقول بغير علم. وكما يحتاج الإثبات إلى دليل يحتاج النفي إلى دليل. ولا يكفي في نفي الشيء عدم وجدان الدليل عليه، بل اللازم التوقف حتى يتضح الحال إثباتاً أو نفياً بدليل واف وبرهان كاف، يصلح عذراً بين يدي الله تعالى يوم يعرضون عليه، ويوقفون للحساب بين يديه. واللازم مع الشك التوقف والاكتفاء بالإيمان الإجمالي والاعتقاد بما جعله الله تعالى في الواقع، على ما هو عليه، كما سبق، ويبقى الجهل عذر، وملزماً بالتوقف عن الاعتقاد التفصيلي. وقد سبق أنه لا يجب تكلّف الفحص لمعرفة الحقيقة تفصيلاً من أجل الاعتقاد بها قلباً والإقرار بها لسان، إلا في أصول الدين التي هي موضوع حديثنا هذ، حيث لا يكفي فيها الاعتقاد الإجمالي، بل يجب الفحص عنها من أجل الاعتقاد بها تفصيل. وعلى ذلك يقع الكلام في تلك الأصول في خمسة مقاصد. و في وجوب قبول الحق: وهو أمر ينبغي أن يكون من الواضحات، فإن الأدلة إنما يحتاج إليها من أجل وصول الحقيقة والتعرف عليه، ليرتفع عذر المكلف، ولا يبقى له حجة على الله تعالى، وذلك إنما يقتضي الاكتفاء بكل دليل يوصل للحقيقة وينهض بإثباته، فإذا وصلت الحقيقة للمكلف بأي وجه فرض فقد أقام الله تعالى الحجة عليه، وتمت المسؤولية في حقه، ولم يبق له عذر. وما له بعد ذلك إلا التسليم والإذعان. وليس من حقه حينئذٍٍ اللجاج والتعنت والعناد والتحكم واقتراح أدلة أخرى. وليس على الله عزّ وجلّ أن يجيبه إلى ما يريد، وهو الغني عنه وعن إيمانه، القاهر فوقه، القادر على عقابه. وقد تكرر في الكتاب المجيد الإشارة إلى تحكم المتحكمين وتعنتهم، والردّ عليهم، والاستهوان بهم، والتهديد لهم. موقف القرآن الكريم من المتحكمين والمتعنتين: قال الله تعالى: "وَإذَا تُتلَى عَلَيهِم آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَرجُونَ لِقَاءَنَا ائتِ بِقُرآنٍ غَيرِ هَذَا أو بَدِّلهُ قُل مَا يَكُونُ لِي أن أُبَدِّلَهُ مِن تِلقَاءِ نَفسِي إن أتَّبِعُ إلاَّ مَا يُوحَى إلَيَّ إنِّي أخَافُ إن عَصَيتُ رَبِّي عَذَابَ يَومٍ عَظِيمٍ" (يونس 15).

جاء في كتاب اصول العقيدة للسيد محمد سعيد الحكيم قدس سره: القرآن المجيد وهو المعجزة العظمى الخالدة، التي كان الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم يحتجان بها لتصديق الرسالة، ويتحديان بها الخصوم. قال عزّ من قائل محتجاً بالقرآن: "أم يَقُولُونَ افتَرَاهُ قُل فَأتُوا بِسُورَةٍ مِثلِهِ وَادعُوا مَن استَطَعتُم مِن دُونِ اللهِ إن كُنتُم صَادِقِينَ" (يونس 38). وجاء في كتاب المحكم في اصول الفقه للسيد محمد سعيد الحكيم قدس سره: أما ما ذكره بعضهم: من أن متعلق الإرادة التشريعية ليس مطلق فعل العبد، بل خصوص الاختياري منه، والإرادة المذكورة لا تقتضي جبر العبد، للزوم الخلف. فهو لا يدفع الاشكال، حيث يلزم مع علم المريد بعدم تحقق الفعل الاختياري عدم فعلية إرادة المستتبعة للسعي له بالتكليف. كما يلزم عدم تخلفه مع قدرة المولى عليه، مع وضوح أنه قد يتخلف وإن كان قادرا، كما هو المشاهد في كثير من الموالي العرفيين، حيث يتسنى له إقناع العبد وإحداث الداعي له، بمثل الترهيب والترغيب والتذكير. بل لا إشكال فيه في حق المولى الأعظم عز وجل، إذ لو سلم ما ذكره بعضهم من عدم استناد اختيار العبد إليه تعالى، إلا أنه لا ريب في وقوعه تحت سلطانه، ولو بتهيئة أسباب الهداية والسعادة، أو الخذلان والشقاوة، قال تعالى: "وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا" (يونس 99)

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك