صادق غانم الاسدي
يا أحرار العالم وعشاق التاريخ والباحثين عن الحقيقة لاتتغافلوا عن ثورة ابي ذر الغفاري فانها ثورة قادها رجل بمفرده وانتهت بنفيه وموته وحيدا ولم يغير موقفه ولم يشعر بألم الجوع والفقر كونه صادق الايمان وهو من طبق قول الرسول محمد صل الله عليه واله اعظم الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر , مات في صحراء وحيدا ولم يملك حتى رغيف خبز لوجبة واحدة , ماكان ابو ذر من الانبياء ولا قائدا من قادة الحرب ولا من الرؤساء الا ُمراء ولا من اصحاب الاموال فكل ماحازه من الدنيا كان كوزا وعكازا , ولكنه كان جريئا في الحق ومخلصا له ولايسكته عن خوف أو سيف , أنه نموذج اعلى الايمان الذي لايتجزأ وأن قلبه عامر بالتقوى ولم يجد الشيطان اليه سبيلا ,أن سيرة ابي ذر الغفاري رحمه الله من أثمن واغنى ماموجود في التراث الأنساني والاسلامي وصفحة خالدة لايشوبها شائبة شك عامرة بالعطاء وبذل النفس والنفيس وعلى الجميع دراستها والاستفادة منها فكلها صالحة ومفيدة , فقد حول الاسلام الحقيقي بدليل قاطع ثورة على الظلم وانصاف الفقراء في كل عصر ودهر , وانه رفض الخنوع والتردد ومهادنة الطغاة وهي كانت ثورة ضد الاغنياء بدافع من حب العدل والاصلاح وايمانا بسنة رسول الله وبقصد الحرص والحفاظ على حقوق المستضعفين ونشر العدالة والمساواة بين المجتمع تماشيا مع تعاليم القرآن الكريم , ومن المعيب والمغزي أن نتذكر ونمجد ثورات مضت في تاريخنا كالثورة الفرنسة وجيفاره وثورة الفلاحين وثورة البلاشفة وثورة جان دارك ونتجاهل ثورة ابي ذر الاسلامية وهي التي دقت مسامير الحق في نعوش الظالمين , كان أبو ذر يخاطب الفقراء بقوله (اجمعوا مع صلاتكم وصومكم غضبا ً لله اذا عصي في الارض , ولاترضوا الولاة بسخط الله إن اسخطوا الله ) , النفي الاول له كان الى بلاد الشام لانه ازعج الخليفه عثمان والتخلص من دعوته الصادقه , فلما دخل دمشق رآى الخضراء قصر معاوية ومن والاه , وقف ذاهلا ً عن كل شيء فأستأنف سيرته الاولى وقال : هذه هي الخيانة أو الإسراف , فقال له معاويه : ما الذي اغضبك علينا يا أباذر ,قال: إنك اغنيت الاغنياء وافقرت الفقراء , فحاول معاوية بأسلوبه القبيح والمكر وخيانة عهد الله ومخالفة السنة النبوية والقرآن أن يشتري ابا ذر بالاموال كما حاول عثمان قبل ذلك ففشل فارجعه الى المدينة , ضانيين ان قلوب الرجال المؤمنين الحقيقين تذوب مع الاموال وتنصهر لها ,فلم يجدي نفعا واستمر صحابي رسول الله في ثورته وشعارها العودة الى سيرة النبي وسنته وتعاليم القرآن , وفي نقاش مع الخليفة الثالث قال له ابو ذر الغفاري كلمة مزقت اعشاء قلبه وظهر الخليفه على حقيقته ( والله ما نقمت مني الا الأمر بالمعروف , والنهي عن المنكر فغضب عثمان وقال اشيرواعليّ في هذا الكذاب , مهلا ياعثمان اتخالف قول الرسول وهو سنة وحجة عليك ولو اني على يقين كل تاريخ حكمك كان ضد سنة الرسول بالتعند او بالجهل ولا فرق في ذلك , قال رسول الله صل الله عليه واله في حق ابو ذر ( ما آقلت الغبراء ولا أضلّت الخضراء أصدق لهجة من أبي ذر ) ثم قال بحقه يا اباذر رحمك الله تعيش وحدك وتموت وحدك وتبعث وحدك وتدخل الجنة وحدك , يسعد بك قوم من أهل العراق ,صدق رسول الله بوصفه لابي ذر ايهما الكاذب فحسبكما التفاوت , ثم دعى عثمان الى حليف الشيطان مروان بن الحكم وآمره ان يخرج ابي ذر طريدا وحيدا الى صحراء الربذه ونهى الناس ان يصحبوه او يشيعوه , ولكن الامام امير المؤمنين علي عليه السلام شيعه مع ولده الحسن والحسين عليهما السلام وأخوه عقيل وابن اخيه عبد الله بن جعفر وعمار بن ياسر وودعه الامام وقال له : ( يا ابا ذر إنك غضبت لله ) فقال ابو ذر بأبي وأمي هذه الوجوه ,إني اذا رأيتكم ذكرت رسول الله ومالي بالمدينة شجن ولاسكن غيركم , اما اهتمام ابو ذر بالناحية الاقتصادية وثورته على الاغنياء والمترفين , فالسبب واضح والجميع يعلم ذلك رغم كل مايخفى ويتستر على نشر الحقائق فسيرة كل صحابي هو سجله الحافل بالافعال الذي سيعرض على الله يوم التلاقي , فالسبب هو أن عثمان بن عفان انحرف عن سنة الرسول وخالف الشريعه الاسلاميه هو وذووه باموال المسلمين فأمتلكوا القصور والمزارع والعبيد والإماء ومن حولهم ملايين الجياع والمعدمين , هل يصح ان نطلق على هذا بخليفة رسول الله في الوقت الذي كان ابو ذر يأمر بالمعروف ويقول أوصاني خليلي رسول الله ان اقول الحق ولو كان مرا ً ولا اخشى في الله لومة لائم واعوذ بالله من الجبن , يامعاشر الأغنياء اجعلوا في اموالكم حقا للسائل والمحروم وهذه دعوة القرآن الكريم (وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) الذاريات 19, وسر عظمة هذا الرجل تكمن أنه ماقصد شيء من مواقفه كلها الا لله ولم يكن لعز او جاه , مات ابو ذر وحيداً طريداً في الربذة وهو لايملك قوت يومه تاركاً عائلة بلا مأوى ولايملك حتى ثمن الكفن,عن أم ذر رضي الله عنها قالت: لما حضرت أبا ذر الوفاة، بكيت، فقال: ما يبكيك؟ فقلت: ما لي لا أبكي وأنت تموت بفلاة من الأرض، وليس عندي ثوب يسعك كفنًا، قال: فلا تبكي وأبشري، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لنفر أنا فيهم: "ليموتنَّ رجل منكم بفلاة من الأرض، يشهده عصابة من المؤمنين"، وليس من أولئك النفر أحد إلا وقد هلك في قرية جماعة، وأنا الذي أموت بفلاة، والله ما كذبت . ويقول الشيخ العلامة محمد جواد مغنية رحمه الله في احدى مقالته ( اللهم هذا ابو ذر الغفاري صاحب رسول الله صل الله عليه واله عبدك وجاهد فيك ولم يبدل , ولكنه رأى منكرا فغيره بلسانه حتى نفي وحرم , ثم مات وحيداً غريباً , اللهم فأنتقم ممن حرمه ونفاه من حرم رسول الله )
https://telegram.me/buratha
