الصفحة الإسلامية

اشارات قرآنية من كتاب السبايا للسيد الحسني (ح 2)


الدكتور فاضل حسن شريف

عن معركة الجمل يقول السيد نبيل الحسني في كتابه سبايا آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم: إن هذا الظهور للسيدة عائشة في ساحة المعركة وهي تحتل منها محل القطب من الرحى وبهذه العدة الممثلة بنوع المركب (الجمل الأدبب)، وفي داخل الهودج اكسبها تحكما بسير المعركة وشحذ المقاتلين الذين استماتوا من حول الجمل الذي قتل من حوله (خلق كثير ولم تر وقعة أكثر من قطع الأيدي والأرجل فيها من هذه الوقعة). ويمكن ملاحظة بعض الآثار لوجود عائشة في المعركة. 1 ــ كونها زوج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد أكسبها مقام تحريم الرجال عليها حرمة أبدية فلا يحق لرجل من المسلمين الزواج بأي امرأة من أزواجه صلى الله عليه وآله وسلم إذ جعلهن القرآن بمنزلة الأم لقوله تعالى: "النَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْۖ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ" (الاحزاب 6). ولذا: نجدها تنادي في الناس: (الله الله، يا بني أذكروا يوم الحساب)، حينما وصلت النبال إلى هودجها، بمعنى: أن وجودها في المعركة أكسب الحرب سمة عقائدية فضلاً عن كونها خصماً في هذه الحرب لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام. 2 ــ فضلاً عن كونها في المنزلة السابقة فإن وجودها على رأس الهرم في هذه الحرب وهي امرأة جالسة في الهودج يدفع بالرجال من الناحية النفسية إلى الدفاع عنها وإظهار مظاهر الشجاعة التي أظهرها بنو ضبة فوقعت فيهم مقتلة عظيمة. إذن: تعطي وقعة الجمل مفهوماً جديداً لدى العسكريين والاجتماعيين يرتكز على معطيات جديدة في الحروب، وهي كالآتي: 1 ــ إن حضور المرأة في المعركة في المجتمع العربي يعطي زخماً قتالياً للمقاتل لما تفرضه التنشئة العربية على الإنسان العربي من قيم الرجولة والحمية وصون الحرم؛ إذ يشكل وجود المرأة في المعركة بما تحمله من ضعف في بنيتها الجسدية والعاطفية شعاراً بالانتقاص من ذكوريته ورجولته، ولذا يجد نفسه ملزماً بالدفاع عنها ومواجهة أقرانه. 2ــ إن المرأة حينما تحتل مركزاً عقائدياً وتكون على دفة القيادة فإن ذلك يدفع بالمقاتلين إلى التضحية والاستبسال بين يديها، ولعل التاريخ العربي غير غريب عليه هذه الحقيقة فقد مثل وجود زنوبيا ملكة تدمر، وبنات النعمان بن المنذر بعداً استتراتيجيا في المعركة.

وعن سودة بنت عمارة رحمها الله تعالى يقول السيد الحسني في كتابه: يمكن الوقوف على أدوار هذه النساء منها سودة بنت عمارةفي معركة صفين من خلال دخولهنً على معاوية بعد مضي سنين عديدة من جلوسه على كرسي الحكم في الشام وكشفه لتلك الآثار من خلال حديثه معهنّ. قالت سودة لمعاوية: قالت: انك أصبحت للناس سيداً ولأمرهم متقلدا والله سائلك من أمرنا وما افترض عليك من حقنا ولا يزال يقدم علينا من ينوه بعزك ويبطش بسلطانك فيحصدنا حصد السنبل ويدوسنا دوس البقر ويسومنا الخسيسة ويسلبنا الجليلة هذا بسر بن أرطاة قدم علينا من قبلك فقتل رجالي واخذ مالي يقول لي فوهي بما استعصم الله منه وألجأ إليه فيه ولولا الطاعة لكان فينا عز ومنعة فإما عزلته عنا فشكرناك وأما لا فعرفناك. قال: وما صنع بك علي بن ابي طالب عليه السلام حتى صار عندك كذلك؟ قالت: قدمت عليه في رجل ولاه صدقتنا قدم علينا من قبله فكان بيني وبينه ما بين الغث والسمين فاتيت عليا عليه السلام لأشكو إليه ما صنع بنا فوجدته قائما يصلي فلما نظر إليّ انفتل من صلاته ثم قال لي برأفة وتعطف: (ألك حاجة؟). فأخبرته الخبر، فبكى ثم قال: (اللهم انك أنت الشاهد عليّ وعليهم إني لم آمرهم بظلم خلقك ولا بترك حقك). ثم أخرج من جيبه قطعة جلد كهيأة طرف الجواب فكتب فيها: (بسم الله الرحمن الرحيم "قَدْ جَاءَتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْۖ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَاۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ" (الاعراف 85). وما أنا عليكم بحفيظ إذا قرأت كتابي فاحتفظ بما في يديك من عملنا حتى يقدم عليك من يقبضه منك والسلام).

وعن بكارة الهلالية يقول السيد نبيل الحسيني: عن خالد الوليد، عمن سمعه من حذافة الجمحي، قال: دخلت بكارة الهلالية على معاوية بن أبي سفيان بعد أن كبرت سنها ودق عظمها ومعها خادمان لها وهي متكئة عليهما وبيدها عكاز فسلمت على معاوية بالخلافة فأحسن عليها الرد وأذن لها في الجلوس وكان عنده مروان بن الحكم وعمرو بن العاص فابتدأ مروان فقال: أتعرف هذه يا أمير المؤمنين؟ قال: ومن هي؟ قال: هي التي كانت تعين علينا يوم صفين. ثم سكت القوم، فقالت بكارة: نبحتني كلابك يا أمير المؤمنين واعتورتني فقصر محجني وكثر عجبي وعشى بصري، وأنا والله قائلة ما قالوا لا ادفع ذلك بتكذيب فامض لشأنك فلا خير في العيش بعد أمير المؤمنين، فقال معاوية: انه لا يضعك شيء فاذكري حاجتك تقضَ. قال معاوية: كيف كان كلامك يوم قتل عمار بن ياسر، قالت: لم أكن والله رويته قبل ولا زورته بعد وإنما كانت كلمات نفثهن لساني حين الصدمة فإن شئت أن أحدث لك مقالا غير ذلك فعلت، قال: لا أشاء ذلك، ثم التفت إلى أصحابه فقال: أيكم حفظ كلام أم الخير؟ قال رجل من القوم: أنا أحفظه يا أمير المؤمنين كحفظي سورة الحمد، قال: هاته، قال: نعم، كأني بها يا أمير المؤمنين وعليها برد زبيدي كثيف الحاشية، وهي على جمل أرمك، وقد أحيط حولها حواء، وبيدها سوط منتشر الضفر، وهي كالفحل يهدر في شقشقته، تقول: (يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم، إن الله قد أوضح الحق وأبان الدليل ونور السبيل ورفع العلم، فلم يدعكم في عمياء مبهمة، ولا سوداء مدلهمة، فإلى أين تريدون رحمكم الله، أفرارا عن أمير المؤمنين، أم فرارا من الزحف، أم رغبة عن الإسلام، أم ارتدادا عن الحق، أما سمعتم الله عزّ وجل يقول: "وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّىٰ نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ" (محمد 31). ثم رفعت رأسها إلى السماء وهي تقول: اللهم قد عيل الصبر، وضعف اليقين، وانتشر الرعب، وبيدك يا رب أزمة القلوب، فاجمع إليه الكلمة على التقوى، وألّف القلوب على الهدى، واردد الحق إلى أهله، هلموا رحمكم الله إلى الإمام العادل، والوصي الوفي، والصديق الأكبر، إنها إحن بدرية، وأحقاد جاهلية، وضغائن أحدية، وثب بها معاوية حين الغفلة ليدرك بها ثارات بني عبد شمس، ثم قالت: قاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم لعلهم ينتهون صبرا، معشر الأنصار والمهاجرين قاتلوا على بصيرة من ربكم، وثبات من دينكم، وكأني بكم غدا لقد لقيتم أهل الشام كحمر مستنفرة، لا تدري أين يسلك بها من فجاج الأرض، باعوا الآخرة بالدنيا واشتروا الضلالة بالهدى، وباعوا البصيرة بالعمى. فقال معاوية: والله يا أم الخير ما أردت بهذا الكلام إلا قتلي والله لو قتلتك ما حرجت في ذلك، قالت: والله ما يسوؤني يا ابن هند أن يجري الله ذلك على يدي من يسعدني الله بشقائه، قال هيهات يا كثيرة الفضول ما تقولين في عثمان بن عفان، قالت وما عسيت أن أقول فيه استخلفه الناس وهم له كارهون، وقتلوه وهم راضون، فقال معاوية: إيها يا أم الخير هذا والله أصلك الذي تبنين عليه.

ويلخص السيد الحسني عن موضوع خروج النساء والاطفال في الحرب: وعليه: يمكن إيجاز الملاحظة في وجود النساء في حروب الإمام علي عليه السلام بما يأتي: 1 ــ لم يكن هناك بحسب الرواية التاريخية المتوفرة لدينا وجود للأطفال؛ بمعنى لم يتم إخراج الأطفال إلى دار الحرب لا في حروب الإمام علي عليه السلام ولا في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سوى ما كان من أمر مالك بن عوف في حربه لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في غزوة حنين. 2 ــ إنّ رتبة القرابة لهؤلاء النسوة مع المقاتلين كانت تنحصر في الأخت والأم، أو من لم يكن لها قرابة مع أحد سوى القرابة الولائية لعلي بن أبي طالب عليه السلام ورابط المودة للعترة المحمّدية صلوات الله عليهم أجمعين. بمعنى: أن المقاتلين حرصوا على إبعاد حلائلهم وأطفالهم عن دار الحرب ما استطاعوا كي يكونوا في مأمن تام فضلاً عن صون حرمة الزوجة بما تفرضه العلاقة الزوجية على الرجل العربي من خصوصية. من هنا نجد أن أمير المؤمنين عليه السلام قد أشار إلى هذا المعنى في حديثه مع عائشة بعد أن انتهت معركة الجمل قائلاً: (يا حميراء هل رسول الله أمرك بهذا الخروج عليّ؟ ألم يأمرك أن تقري في بيتك؟ والله ما أنصفك الذين أخرجوك عن بيتك، إذ صانوا حلائلهم وأبرزوك). 3 ــ انحصار خروج الزوجة وأولادها إلى دار الحرب في عاشوراء، وهذه خصوصية لم تلحظ في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلي أمير المؤمنين عليه السلام، بل لعلها الوحيدة في تاريخ الأمم سواء على المستوى الرسالي المرتبط بالسماء أو المستوى السياسي المرتبط بالملوك والحكام والقادة. وعليه: فما هي تلك الآثار التي ترتبت على هذا التميز العاشورائي؟ وما هي النتائج التي حققها هذا الوجود لحرم الإمام الحسين عليه السلام في يوم الطف على المستويات كافة؟ هذه التساؤلات سنعرض لها في المباحث اللاحقة.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك