الصفحة الإسلامية

اشارات قرآنية في كتاب مجاز القرآن للدكتور محمد حسين الصغير (ح 11)


الدكتور فاضل حسن شريف

جاء في كتاب مجاز القرآن خصائصه الفنيّة وبلاغته العربيّة للدكتور محمد حسين علي الصغير عن عن قرينة المجاز العقلي في القرآن كما ذكرنا جزء عنه في الحلقات السابقة: ج ـ وفي قوله تعالى "سنفرغ لكم أيّه الثّقلان" (الرحمن 31)، نلمس مجازا عقليا نستفيده لا بقرينة لفظية مقالية ، بل بقرينة معنوية حال ، أدركها العق ، وسلّمت بها الفطرة من خلال أحكام الألفاظ في العبارة، فالله سبحانه وتعالى لا يشغله أمر عن أم، ولا يلهيه شأن عن شأن، فهو قائم لا يسهو، وإنما أراد بهذا التفرغ، التوجه نحو الثقلين توجه المتفرغ الذي لا يعنيه غير هذا الموضوع في الوقت الذي يدير فيه جميع العالم، ويستوعب جميع صنوف التدبير، وذلك على طريقة العرب في سنن الكلام لدى التعبير عن التهيؤ والجد والتشمير، فهو قاصد إليهم بعد الترك في فسحة الحياة ومحيط بهم الإمهال قبل الموت، لا أنه كان مشغولا ففرغ ، أو في كائنة وانتهى منها، وإنما هو المجاز بعينه الذي أشاع روح الرهبة في الوعيد، وانتهى بأجراس النقمة في المجازاة، دون شغل أو عمل صارفين. د ـ وتبقى ميزة التعبير القرآني مقترنة بالأسلوب العربي المبين، في وضع المجاز بموضعه المناسب من الفن القولي، حتى يكتسب ذلك التعبير في مجازيته العقلية طائفة مشرقة من الاعتبارات الإيحائية، التي تلتصق بالمعاني الأصلية، أو هي مقاربة ومجاورة لها، كما هي الحال في استعمالات المجاز العقلي في القرآن، بما يتوصل اليه بقرينة ذهنية نصل معها الى مناخ مجازيته الفعلية بما أضفته من مسلك دقيق قد لا تتوصل اليه الا الأفهام الثاقب ، والطباع الرقيقة، كما في قوله تعالى "والسماء ذات الرّجع (11) والأرض ذات الصّدع (12) إنه لقول فصل (13) وما هو بالهزل (14)" (الطارق 11-14). فأنت ترى أن الفصل والهزل، وهما ههنا وصفان للقرآن الكريم، والوصفية هنا قد تكون أدل على المعنى المراد من المصدرية، وذلك لأن الوصفية قد تغطي الدلالة الإيحائية مضافا الى الدلالة المركزية بأن : هذا الوصف فضلا عن كونه مصدرا فهو مما يصلح أن يوصف به هذا الكتاب العظيم، فيكون التأكيد على جديته وحاكميته أرقى من خلال التعبير النافذ، فيكون ذلك ألصق به، والمراد منه أشد وضوحا من إرادة المصدر بمفرده، فاشتمل على المعنيين بوقت واحد، وهذا أبرز معلم من معالم الاستعمال المجازي في القرآن. وما يقال هنا يقال بالنسبة لقوله تعالى "فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين" (الدخان 29). ومعلوم أن إسناد البكاء الى السماء والأرض معا، وليس من شأن السماء البكاء، ولا من طبيعة الأرض أن تكون باكية، دلالة على إرادة الاستعمال المجازي عقلا، فالمساء على حقيقتها والبكاء على حقيقته وكذلك الأرض ، ووصف السماء والأرض بأنهما يبكيان، أو نفي بكائهما كما في الآية، يقتضي أن هذا الإسناد ألصق في تصور الفجيعة، وأبلغ في تصوير النازلة ، وذلك حينما أخذ هؤلاء على عجل دون أهبة أو استعداد. ونظير هذا كثير في المجاز العقلي من القرآن.

ويقول الاستاذ محمد حسين الصغير رحمه الله عن علاقة المجاز العقلي في القرآن: في قوله تعالى "إنّما المؤمنون الّذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم واذا تليت عليهم ءاياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون" (الانفال 2)، نسبت زيادة الإيمان الى آيات الله تعالى في قرآنه الكريم، ولما كان الأصل في الإيمان وزيادته هو التوفيق الإلهي الصادر عن الله عزّ وجلّ، علم بالضرورة أن نسبة زيادة الإيمان الى الآيات بإضافتها إليها، إعلاء منه تعالى لشأن هذه الآيات المجيدة ، وكأنها المؤثر الحقيقي ، وإن كان الأثر من الله ، والتأثير بتوفيقه ، وكان ذلك من المجاز المرصود عقليا لكون الإثبات سببا في زيادة هذا الإيمان ، ولعل في ذلك إشارة واعية الى النتائج الإيجابية في تلاوة الآيات أو الاستماع إليها ، أو الإنصات لدقائقها ، فيكون الحث عليها بهذا الأسلوب الجديد ، وكأنه أمر بصيغة الإخبار ، وتحضيض عن طريق الإنباء. وفي قوله تعالى "وضرب الله مثلا قرية كانت ءامنة مطمئنّة يأيتها رزقها رغدا من كلّ مكان فكفرت بأنعم الله فاذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون" (النحل 112)، عدة استعمالات مجازية متطورة ، يتعلق بعضها بالمجاز العقلي، والآخر بالمجاز اللغوي في الاستعارة ، ولا حديث لنا معه، والشأن في المجاز العقلي حيث وصف القرية بكونها أمنة مطمئنة، وقد علم بالضرورة أن الأمن والأطمئنان لا تتصف بهما مرافق القرية وجدرانها، وإنما يتنعم بهما أهلها وسكانها، فعبر مجازا عن طريق إطلاق اسم المحل وهو القرية، على الحال فيها وهم الأهل والساكنون، وعبّر عن الرزق بأنه يأتي ، الرزق ليست له حركة ولا إرادة في التنقل والقصد المجيدة، وكأنها المؤثر الحقيقي، وإن كان الأثر من الله ، والتأثير بتوفيقه، وكان ذلك من المجاز المرصود عقليا لكون الإثبات سببا في زيادة هذا الإيمان، ولعل في ذلك إشارة واعية الى النتائج الإيجابية في تلاوة الآيات أو الاستماع إليها، أو الإنصات لدقائقها، فيكون الحث عليها بهذا الأسلوب الجديد، وكأنه أمر بصيغة الإخبار، وتحضيض عن طريق الإنباء.

وعن قوله تعالى " ألم تر الى الّذين بدّلوا نعمت الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار " (ابراهيم 28)، أضافت الآية إجلال البوار الى الذين بدلوا نعمة الله كفرا، وذلك بسبب من سوء أعمالهم وكفرهم وطغيانهم وكان ذلك نتيجة لكفرهم ، ومظهر كفرهم إطاعتهم أكابرهم بالكفر ، في حين أن الذي أحل هؤلاء وهؤلاء دار البوار ـ على سبيل العقوبة والمجازاة ـ هو الله تعالى جلّ شأنه. وهنا تلمس قيمة المجاز وتدرك خصائصه الفنية، وذلك حينما تعلم موقع تبديل النعم بالكفر في الإحلال بدار البوار ، والكفر ـ بحد ذاته ـ ليس بقادر ولا متصرف ولا متمكن ، ومع هذا فهو السبيل الى دار البوار بالقوة والفعل والعيان، وإن كان المحدث للأمر غيره دون ريب، فالمراد أجتنابه، والابتعاد عن دائرته، وإحلال الشكر محله، تطبيقا لقوله تعالى "لئن شكرتم لأزيدنّكم" (ابراهيم 7). وفي قوله تعالى :"مثل الجنّة التي وعد المتقون تجري من تحتها الأنهار أُكلها دائم وظلها تلك عقبى الذين اتّقوا وعقبى الكافرين النار" (الرعد 35)، تجد جرسا موسيقيا، وتخامر لذة علوي ، تأنس لها النفس، وتهش لها الطبيعة الإنسانية، وذلك عندما تتحدث الآية عن الملذات الحسية فضلا عن الملذات الروحية وأنت تتخيل الأنهار جارية، وحولها الضلال الفسيحة، والأكل الدائم، وفي الجنة التي وعد المتقون. والأنهار وعاء للماء ومستقر له، راكد أو سارب بأمر الله تعالى، وهي ثابتة غير متنقلة، فهي مكان الجري، وما يجري فيها هو الماء، فلما أسند الجري الى الأنهار علمنا عقلنا بالحكم عليه: أنه مجاز لأن الماء هو الجري إلا ان مكانه الأنهار، فعبّر عن جريان ذلك الماء بجري الأنهار نفسها بوصفها مكانا له، أو باعتبار الكثرة والغزارة في هذا الجري حتى ليخيل أن هذه الأنهار تجري بنفسها ، وإنما اعتبر المكان باعتبار الإسناد إليه، والعامل الحقيقي غيره، وما يدريك فلعل في هذا الاستعمال ـ وهو كذلك ـ من القوة في الاندفاع ، والسيطرة على النفس، وعظيم التصوير الفني، أضعاف ما في الاستعمال الحقيقي من الدلالة على المعنى المراد أداؤه بالضبط.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك