الصفحة الإسلامية

اشارات قرآنية في كتاب مجاز القرآن للدكتور محمد حسين الصغير (ح 10)


الدكتور فاضل حسن شريف

جاء في كتاب مجاز القرآن خصائصه الفنيّة وبلاغته العربيّة للدكتور محمد حسين علي الصغير عن المجاز العقلي: ولما كان المجاز العقلي إنما يعرف باعتبار طرفيه، وهما المسند والمسند إليه ، لأنه إنما يقع في الجملة، والجملة تعرف بالتركيب، ولا علاقة لذلك بالألفاظ ذاتها دون إسنادها، لأنه ليس من باب اللفظ المفرد فينظر له بالاستعارة، ولا يرى في الكلمة المنقولة عن الأصل فينظر له في المجاز المرسل، وإنما هومكتشف من الإسناد وما يؤول اليه المعنى في ضوئه، والإسناد يعرف بطرفيه، وهذان الطرفان في المجاز العقلي في القرآن لهما صيغ مختلفة تحدد بما يأتي: أ ـ الطرفان حقيقيان: ولا علاقة لهما بالمجاز منفردين إلا بضم بعضهما الى البعض الآخر كقوله تعالى "وأخرجت الأرض أثقاله" (الزلزلة 2). فإن الإخراج حقيقي، والأرض حقيقة ، ولا مجاز بهما وحدهما، ولكن المجاز العقلي مستنبط من أقترانهما، وبإسناد الإخراج الى الأرض، لأن المخرج حقيقة هو الله تعالى، وليس للأرض قابلية الإخراج، فلا إرادة لها، وفاقد الشيء لا يعطيه، فلما أسند لها الإخراج علمنا ضرورة بمجازية الأستعمال إسنادا بحكم العقل. ب ـ الطرفان مجازيان: نحو قوله تعالى "فما ربحت تجارتهم" (البقرة 16). فالربح هنا مجازي، ولا يراد به الزيادة على رأس المال في بيع البضائع، والتجارة هنا مجازي، فلا يراد بها المعاملات السوقية، وإنما المراد بالربح تحقيق المعنى المجازي منه بالفائدة وعدم خسران الأعمار، والمراد بالتجارة المعنى المجازي منها بالإنابة وصالح الأعمل. ونظير هذا المجاز العقلي في طرفيه المجازيين كثير في القرآن الكريم ، ومن أبرز مظاهره في مثالين بآية واحدة قوله تعالى "أُولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين" (البقرة 16). فالشراء هنا مجازي ، ولا يراد به إجراء العقد في إنجاز صفقات البيع ، والضلالة وإن كانت حقيقة ، إلا أنها ليس مما يشترى بالهدى ، ولا مما يباع به ، وكلا الإسنادين مجازي ، وبقية الآية تقدم فيها الكلام. وكذلك قوله تعالى "بئسما اشتروا به أنفسهم" (البقرة 90). ج ـ الطرفان مختلفان كقوله تعالى "تؤتي أُكلها كلّ حين" (ابراهيم 25).فإن نسبة إيتاء الأكل الى الشجرة مجازية ، لأن المؤتي هو الله تعالى ، ولكن الأكل هنا حقيقة ، وهو ثمرة الشجرة فكان أحد الطرفين مجازيا والثاني حقيقيا. وعليه يحمل قوله تعالى في نموذجين مختلفين بآية واحدة، وهو قوله تعالى "بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون" (البقرة 81). ف "كسب" و "أحاطت" كلاهما مجازان، و "سيئة" و "خطيئة" كلاهما حقيقيان، ونسبة الكسب الى الإنسان في السيئات مجازية ، لأن السيئات ليس مما يكتسب به الإنسان حقيقة ، ولا هي قابلة لهذا الإعتبار ، إلا أنها استعملت ونسبت عقليا بحكم الإسناد ، وكأن صاحبها قد عمل فكان كسبه خسرانا لأن نتيجة هذا الكسب هو السيئات، وكذلك الحال بالنسبة لإسناد الإحاطة بالخطيئة، فالإحاطة تتطلب مكانا ومحلا يمكن الأستدارة عليه كإحاطة الخاتم بالأصبع، أو السوار باليد، أو السجن بالسجين، وهكذا، فكان الأول مجازا والثاني حقيقة، واكتشف المجاز العقلي من اقتران الطرفين.

وعن قرينة المجاز العقلي في القرآن يقول الدكتور الصغير رحمه الله وانتشار المجاز العقلي في القرآن يوحي بأصالة كنهه البلاغي دون ريب في نص هو أرقى النصوص العربية على الإطلاق، وهو وإن كان متعلقا بالإسناد الجملي لا بألفاظ مجردة، ولكن لا بد من قرينة تدلنا على إرادة الاستعمال المجازي دون الحقيقي، وقد قسموا هذه القرينة الدالة على ذلك الى: 1 ـ قرينة لفظية، وتستفاد من إطلاق اللفظ فتدرك بها موضع المجاز باعتبارات لفظية تنطق بها الكلمات، حتى أنك بعد التحقيق لا يخامرك شك في إرادة المجاز، وأمثلة ذلك كثيرة في القرآن الكريم: أ ـ قوله تعالى :"وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي" (هود 44). لقد عبر سبحانه وتعالى عن إرادته في الكينونة المطلقة، على سبيل المجاز بـ "قيل" وإنما هي أمر كائن لا محالة ، وكانت قرينة هذا المجاز خطاب من لا يعقل، وهو الجماد الذي لا يخاطب " يا أرض" و "يا سماء" إذ هو ليس مما يعي الخطاب، أو يدرك الإمثال، فكان ذلك قرينة لفظية في دلالة هذا المجاز العقلي. ولك أن تقول أن الله قادر على أن يخاطب الجماد، ويجيب ذلك الجماد، فيكون ذلك على سبيل الحقيقة، وحتى لو حصل هذا على سبيل الإعجاز، فلا مانع منه، ويبقى المدرك مجازيا لأنه في العموم خطاب لمن لا يعقل ولا يجيب ولا يسمع ولا يتكلم، وإن سمع وأجاب وأمتثل على سبيل الإعجاز. ب ـ وفي قوله تعالى "فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض فأقامه قال لو شئت لتّخذت عليه أجرا " (الكهف 77). يتجلى المجاز العقلي مستشرفا إذ الجدار ليس كائنا ذا إرادة، ولا هو بمريد شأن من يريد في الفعل أو الترك، ولكنه البعد المجازي الذي وهب الحياة للجماد ، وأشاع الحسّ في الكائنات، وكذلك التعبير الموحي الذي أضفى صفة من يصدر عنه الفعل على من لا يصدر عنه الفعل، وحقيقة من يريد على من لا يريد في الأصل. وكانت قرينة هذا المجاز إرادة هذا الجماد وهو لا يريد. ج ـ وفي هذا السياق يجب أن نلاحظ ما لاحظه ابن قتيبة ( ت : ٢٧٦ هـ ) من ذي قبل ، من أن هذه الأفعال ونظائرها ـ ونعني بها أفعال المجاز كما في الأمثلة السابقة ـ أفعال لا تخرج منها المصادر ، ولا تؤكد بالتكرار ، فلا تقول : أراد الحائط أن يسقط إرادة شديدة، فليس هذا من كلام العرب، فإذا جاء التوكيد بالمصدر علمت أن ذلك مبني على الحقيقة، والله تعالى يقول "وكلم الله موسى تكليما" (النساء 164) فوكد بالمصدر معنى الكلام، ونفى عنه المجاز. وقال تعالى "إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون" (النحل 40) فوكد القول بالتكرار ، ووكد المعنى بإنما ، فكان ذلك على سبيل الحقيقة لا المجاز.

ويستمر الاستاذ محمد حسين الغير قائلا عن قرينة المجاز العقلي في القرآن: 2 ـ قرينة غير لفظية ، وتستفاد من الجملة باستحالة صدور ذلك الشيء من فاعله عقلا ، وإنما يكون من أمره ، وفي نطاق مقدوره ودائرته ، وقد ورد ذلك في القرآن العظيم بأكثر من موضع ، وتكرر وجوده في مختلف الجزئيات بأكبر من ملحظ: أ ـ قوله تعالى "وجاء ربّك والملك صفا صفا" (الفجر 22). فالمجيء هنا لأمر الله وقدرته وقوته وإرادته ، وليس لذاته القدسية، لأنه لا يوصف بالذات المتنقلة : القادمة او الذاهبة او المتحركة. تعالى عن ذلك علوا كبيرا. وإنما هذا على سبيل من قوله تعالى "فإذا جآء أمر الله قضي بالحق وخسر هنالك المبطلون" (غافر 78). وقوله تعالى "يا إبراهيم أعرض عن هذا إنّه قد جاء أمر ربك" (هود 76) وقوله تعالى "هل ينظرون إلاّ أن تأتيهم الملائكة أو يأتي أمر ربّك " (النحل 33). وهنا نكتة بلاغية جليلة، فالله سبحانه وتعالى كما لا يجوز عليه المجيء بالوجه الذي بيناه، فإن أمره لا يمكن أن يأتي أو يجيء إلا على وجه مجازي محض، فأمر الله تعالى يصدر، ولا يأتي، وينفذ ولا يجيء، ويطبق ولا يناقش، ولما جاء التعبير عنه بالقرآن بالإتيان تارة، والمجيء تارة أخرى، علمنا هنا من دلالة النص الفنية، وبذائقة فطرية خالصة أن تأكيد صدوره وكونه قدرا مقضيا ، قد أكد بالإتيان والمجيء للتعبير عن حتمية وقوعه جزما ، وتجسيد نفاذه فورا حتى شخص وكأنه قادم آت متمثل قائم. ب ـ وفي كل من قوله تعالى "الرحمن على العرش أستوى" (طه 5). "ثمّ استوى الى السّماء" (البقرة 29). "ثمّ استوى على العرش" (الاعراف 54). مجاز عقلي تقتضيه ضرورة أن الله سبحانه وتعالى ليس قالبا حسيا، ولا مثالا مرئيا، ولا جسما متحركا يعرض للتنقل كأجسامنا، فاستواؤه هنا سيطرته وقدرته وإحاطته حتى لا يفوته شيء، كما يستوي صاحب الملك على أطراف مملكته، إذ ليس لمعنى الأستواء بالنسبة اليه تعالى تطبيق خارجي، أو مدرك وجودي ينطبق على ذاته القدسية، كانطباقه على إستوائنا وسيطرتنا من إحكام للأمر، أو ضبط للشؤون، بأسباب وحراس أو قوى وأجهزة مادية ، وإنما ذلك بالنسبة للباري عزّ وجلّ فوق مدرك عقولنا إذ هو حقيقة تعبيرية عن الإحاطة المطلقة التي لا تفوتها الجزئيات غير المرئية وما يقال هنا يقال بالنسبة لقوله تعالى "وسع كرسيه السموات والأرض ولا يؤده حفظهما" (البقرة 255) وذلك بلحاظ لفظ "الكرسي" فالعرب في سنن كلامها أن تعبر عن مظاهر الحكم، وملامح الملك، وتوليه الأمور بـ "الكرسي" وإن كان صاحبهما جالسا على الأرض، أو ليس لديه كرسي أصلا، فهو مستول على سرير الملك وكرسي الحكم ، وهذا جار عند العرب الى اليوم.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك