الصفحة الإسلامية

اشارات قرآنية في كتاب مجاز القرآن للدكتور محمد حسين الصغير (ح 9)


الدكتور فاضل حسن شريف

يستمر الدكتور في عرض نماذج قرآنية عن الأعجاز من كتابه مجاز القرآن خصائصه الفنيّة وبلاغته العربيّة: وفي مقام الرد على المشركين ، وتسفيه أحلامهم، والنعي على عقولهم المتحجرة، يقف المجاز مما يعبدون موقف المحكم للحس والوجدان لإبطال عباداتهم ، وإثبات فساد أعمالهم، ففي قوله تعالى "مثل الذين أتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت أتّخذت بيتا وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون" (العنكبوت 41). لمس الزمخشري أن الكلام قد أخرج بعد تصحيح التشبيه مخرج المجاز فكأنه يقول: وإن أوهن ما يعتمد عليه الدين عبادة الأوثان لو كانوا يعلمون. وحين يريد المجاز القرآني تنبيه العقول ، وتوجه المشاعر نحو الحدث بالذات ، فإنه يشير إليه وحده ليثير الانتباه حوله، فيضفي صفة الفاعلية على غير الفاعل حينا، وسمة الإرادة على غير المريد حينا آخر، ويضيف ضجيج الحركة على غير المتحركة ، فتقف خاشعا أمام الأسلوب العقلي وهو يستعمل صيغة الفاعل ويريد بها المفعول، وهو نوع من المجاز العقلي في علاقاته ووجوهه البيانية ، ويتجلى ذلك في قوله تعالى "يوم ترجف الراجفة (6) تتبعها الرادفة (7) قلوب يومئذ واجفة (8) أبصارها خاشعة (9) يقولون أءنا لمردودون في الحافرة (10) أءذا كنا عظاما نخرة (11) قالوا تلك إذا كره خاسرة (12) فإنما هي زجرة واحدة (13) فإذا هم بالساهرة (14)" (النازعات 6-14). فأنت أمام هذه الألفاظ: الراجفة، الرادفة، الحافرة، الخاسرة، الساهرة، وكلها بصيغة الفاعل مع أن الأصل أن تكون الأرض مرجفة لا راجفة، وأن التابعة مردفة لا رادفة، وأن حفرة القبر محفورة لا حافرة ، وان الكرة خسر أصحابها، وأن الساهرة سهر أربابها، وعدول القرآن عن هذا الأصيل بمثل هذا الاطراد ظاهرة أسلوبية لا يهون إغفالها، قد يكون المراد وهي تتكرر في القرآن لفت النظر نحو الحدث بما له من طواعية وتلقائية مستغنيا فيه عن ذكر المحدث وهو الله تعالى، فالأرض راجفة وهي مرجوفة، والرادفة التابعة وهي مردوفة، وهكذا القول بالنسبة للحافرة والخاسرة والساهرة، فهنا طواعية تتمثل في أن ترجف الأرض ذاتها، وهنا تلقائية تغني عن ذكر المحدث جل شأنه، بما أودع سبحانه في الأرض من قوة التسخير لما يريد لها، وهنا أيضا مباغتة ، لا يدري معها الإنسان يوم القيامة ، وتركيز للانتباه في أخذ الرجفة بحركة تلقائية، صائرة الى ما سخرت له. في هذا المناخ يتيقظ العقل، ويصحو الضمير، وتتحرك العواطف ، مستفيدة العظة والعبرة والإقلاع عن الغي، وكل ذلك من خصائص المجاز العقلية، لأن فيه توجها للحدث ذاته كما في قوله تعالى "فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفّاهن الموت" (النساء 15) إذ اعتبر المتوفى هو الموت، والموت لا يتوفى، لأن المتوفى هو ملك الموت بأمر الله تعالى، وهو المتوفي الحقيقي. وما يقال هنا يقال بالنسبة لقوله تعالى "ومن خفّت موازينه فأولائك الّذين خسروا أنفسهم بما كانوا بآياتنا يظلمون" (الاعراف 9) فنسبة الخسران الى النفوس، وإضافته إليها من المجاز العقلي، واستعمل له التنظير الحسي لتحريك العقل الإنساني من غفلته، فعمره بضاعة، ومراد البضاعة الربح، فمن تعرض لخسران هذه البضاعة حسيا، كمن خسر عمره وأضاعه عقليا.

وعن تشخيص المجاز العقلي في القرآن وعند العرب يقول الدكتور صغير رحمه الله: الفهم للمجاز العقلي عند الزمخشري (ت: 538 هـ ) يخرج المعنى الكامل، مخرج المجاز في قوله تعالى: "مثل الذّين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتّخذت بيتا وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون" (العنكبوت 41) فقد حملها على الإرادة المجازية في النظر العقلي، ناظرا التركيب الجملي دون اللفظ المفرد. يكون التجوز في حكم يجري على الكلمة فقط، وتكون الكلمةمتروكة على ظاهرها، ويكون معناها مقصودا في نفسه، ومرادا من غير تورية ولا تعريض. والمثال فيه قولهم: نهارك صائم وليلك قائم، ونام ليلي، وتجلى همي، وقوله تعالى "فما ربحت تجارتهم" (البقرة 16). وعن المجاز العقلي في القرآن بين الإثبات والإسناد: حينما نمعن النظر في قوله تعالى "يجعلون أصابعهم في ءاذانهم" (البقرة 19). نرى أن الجعل هنا هو الوضع، والوضع حاصل على حقيقته، ولا مجاز فيه، باعتباره جاريا على الأصل، ولو تحقق فيه فرضا لكان مجازا لغويا ولا شاهد لنا معه، وإنما المجاز في الإثبات دون المثبت، ولما كان الجعل مثبتا دون ريب، وضعنا أيدينا على الإثبات، وهو في الآية الأصابع، لأن المراد بهذا الوضع من الأصابع: ذلك القدر المحدود من الأصابع الذي تستوعبه الآذان في الوضع، وهو عادة : الأنامل فحسب، والأنامل بعض الأصابع، وهنا تحقق المجاز في الإثبات، وهو الأصابع لإرادة الأنامل منها، لأن المثبت، وهو أصل الوضع حاصل على حقيقته اللغوية، وقد اكتشف في الإثبات عن طريق الإسناد وبحكم الدلالة العقلية، على أن هذا الانطباق في المجاز العقلي قد يصدق أيضا في المجاز اللغوي في هذا الملحظ بالذات، ويكون ذلك من باب إطلاق الكل وإرادة الجزء.

وفي قوله تعالى "يوم نبطش البطشة الكبرى إنّا منتقمون" (الدخان 16) يقول الدكتور محمد حسين الصغير نلحظ أن البطش واقع لا محالة ، ومن قبل الله سبحانه وتعالى، فهو جار على حقيقيته، وهذا هو المثبت، فالبطش إنما يقع حقيقة في اليد ذات الطول والقوة والتحطيم ، فإذا أريد به المجازية نقلناه الى المعنى الذي يصدر عادة من الجوارح، وهو هناـ والله العالمـ ليس كذلك إذ لا يصدر عن يد، ولا يخرج من جارحة، فالله منزه عن الجوارح ، بدلالة عقلية وهنا يأتي الإثبات محل الإشكال، فهو بطش لا كالبطش المعتاد، وانتقام لا كالانتقام المتعارف، وهو واقع دون شك، ولكن بغير الأدوات المعتادة. وقد تنقلب الحال فيقع المجاز في المثبت ، وتكون الحقيقة في الإثبات ، فمثال ما دخل المجاز في مثبته دون إثباته قوله تعالى "أوَ من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس" (الانعام 122). ويعقب عبد القاهر على ذلك، ويعده من باب المجاز اللغوي بناء على قاعدته السابقة: إذا وقع في الإثبات فالمجاز عقلي، وإذا وقع في المثبت فالمجاز لغوي، يقول: (وذلك أن المعنى والله أعلم، على أن جعل العلم والهدى والحكمة حياة للقلوب على حد قوله تعالى "وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا" (الشورى 52). فالمجاز في المثبت وهو الحياة ، فأما الإثبات فواقع على حقيقته لأنه ينصرف الى أن الهدى والعلم والحكمة فضل من الله وكائن من عنده. ومن الواضح في ذلك قوله تعالى "فأحيينا به الأرض بعد موتها" (فاطر 9) وقوله تعالى "إن الذي أحياها لمحي الموتى" (فصلت 39). جعل خضرة الأرض ونضرتها وبهجتها بما يظهره الله تعالى فيها من النبات والأنوار والأزهار وعجائب الصنع حياة لها ؛ فكان ذلك مجازا في المثبت من حيث جعل ما ليس بحياة حياة على النسبية ، فأما نفس الإثبات فمحض الحقيقة لأنه إثبات لما ضرب الحياة مثلا له فعلا لله تعالى، ولا حقيقة أحق من ذلك.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك