الصفحة الإسلامية

اشارات قرآنية في كتاب مجاز القرآن للدكتور محمد حسين الصغير (ح 2)


الدكتور فاضل حسن شريف

يستمر الدكتور محمد حسين الصغير في كتابه مجاز القرآن خصائصه الفنيّة وبلاغته العربيّة متحدثا عن الشريف الرضي: وإنك لتجد في منهجه هذا شذرات تلتقط وأنت ضنين بها. 1 ـ ففي قوله تعالى "فأينما تولوا فثم وجه الله" (البقرة 115) فإنه ينفي الجسمية والجهة عن الباري تعالى ويوجهها نحو المجاز بقوله (أي جهة التقرب الى الله، والطريق الدالة عليه، ونواحي مقاصده ومعتمداته الهادية إليه). 2 ـ وفي قوله تعالى "الله وليّ الذين ءامنوا يخرجهم من الظلمات الى النور والذين كفروا أوليآؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور الى الظلمات" (البقرة 257) فيذهب الرضي أن المراد منها (إخراج المؤمنين من الكفر الى الأيمان ومن الغي الى الرشاد، ومن عمياء الجهل الى بصائر العلم. وكل ما في القرآن من ذكر الإخراج من الظلمات الى النور فالمراد به ماذكرنا. وذلك من أحسن التشبيهات. لأن الكفر كالظلمة التي يتسكع فيها الخابط ويضل القاصد. والأيمان كالنور الذي يؤمه الحائر، ويهتدي به الجائر ، لأن عاقبة الأيمان مضيئة بالأيمان والثواب، وعاقبة الكفر مظلمة بالجحيم والعذاب. وفي لسانهم: وصف الجهل بالعمى والعمه، ووصف العلم بالبصر والجلية). 3 ـ ويحمل الرضي قوله تعالى "وقيل ياأرض ابلعي مآءك ويا سماء أقلعي وغيض الماء وقضي الأمر " (هود 44) على الاستعمال المجازي في صدور الأمر منه تعالى ، ويقول: (لأن الأرض والسماء لايصح أن تؤمرا أو تخاطبا. لأن الأمر والخطاب لا يكونان إلا لمن يعقل، ولا يتوجهان إلا لمن يعي ويفهم. فالمراد إذن بذلك، الأخبار عن عظيم قدرة الله سبحانه، وسرعة مضي أمره، ونفاذ تدبيره نحو قوله "انما قولنا لشيء إذا أردناه أن نّقول له كن فيكون" (النحل 40)، إخبار عن وقوع أوامره من غير معاناة ولا كلفة، ولا لغوب ولا مشقة. وفي هذا الكلام أيضا فائدة أخرى لطيفة. وهو أن قوله سبحانه "يا أرض ابلعي مآءك" (هود 44) أبلغ من قوله: يا أرض اذهبي بمائك. لأن في الابتلاع دليلا على إذهاب الماء بسرعة. وكذلك الكلام في قوله سبحانه "ويا سماء أقلعي" (هود 44) لأن لفظ الأقلاع ههنا أبلغ من لفظ الإنجلاء. لأن في الإقلاع أيضا معنى الإسراع بإزالة السحاب، كما قلنا في الابتلاع. وذلك أدل على نفاذ القدرة، وطواعية الأمور، من غير وقفة ولا لبثة، هذا الى ما في المزاوجة بين اللفظين من البلاغة العجيبة والفصاحة الشريفة). 4- وفي قوله تعالى "ففتحنا أبواب السمآء بمآء منهمر (11) وفجرنا الأرض عيونا فالتقى الماء على أمر قد قدر (12)" (القمر 11-12) يقول الشريف الرضي (المرادـ والله أعلم ـ بتفتيح أبواب السماء تسهيل سبل الأمطار حتى لا يحبسها حاب ، ولا يلفتها لافت. مفهوم ذلك إزالة العوائق عن مجاري العيون من السما ، حتى تصير بمنزلة حبيس فتح عنه باب، أو معقول أطلق عنه عقال. وقوله "فالتقى الماء على أمر قد قدر" (القمر 12) أي: اختلط ماء الأمطار المنهمرة، بماء العيون المتفجرة، فالتقى ماءاهما على ماقدره الله سبحانه، من غير زيادة ولا نقصان. وهذا من أفصح الكلام، وأوقع العبارات عن هذه الحال). 5 ـ وأظهر مما تقدم في مجاز القرآن عند الشريف الرضي نسبة الخشوع والتصدع الى الجبل في قوله تعالى "لو انزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون" (الحشر 21) قال الشريف الرضي: (وهذا القول على سبيل المجاز. والمعنى أن الجبل لو كان مما يعي القرآن ويعرف البيان لخشع في سماعه، ولتصدع من عظم شأنه، وعلى غلظ أجرامه، وخشونة أكنافه. فالإنسان أحق بذلك منه، إذ كان واعيا لقوارعه، وعالما بصوادعه). وهذا الملحظ الدقيق في مجازية الآية عند الشريف الرضي مصدره: أن لازم الخشوع والتصدع والخشية ، والإدراك والمعرفة والسماع، والجبل لا يسمع ولا يعي، فتأمل أيها الإنسان وتفكّر بما ضربه الله لك من الأمثال.

وعن الاستعارات القرآنية عند الشريف الرضي يقول الدكتور الصغير رحمه الله: قلنا فيما سبق أن أغلب ما أورده الرضي في تلخيص البيان عبارة عما يقابل الحقيقة في الأستعمال، والاستعارة عندهم كالمجاز باعتبارها استعمالا مجازيا وخلاف الأصل اللغوي، لهذا كان (تلخيص البيان) حافلا في صنوف الاستعارات القرآنية ولعل من أبلغ ما أورده تعقيبا وشرحا وبيانا ، تلك الاستعارات التي كشف فيها عن ذائقته الفطرية في استحياء المراد القرآني وسأكتفي بإيراد بعض النماذج في ذلك: أ ـ في قوله تعالى "وتقطعوا أمرهم بينهم كل إلينا راجعون" (الانبياء 93) قال الرضي: (وهذه استعارة. والمراد بها : أنهم تفرقوا في الأهواء واختلفوا في الآراء، وتقسمتهم المذاهب، وتشعبت بهم الولائج ومع ذلك فجميعهم راجع الى الله سبحانه، على أحد وجهين: إما أن يكون رجوعا في الدنيا. فيكون المعنى: انهم وإن اختلفوا في الاعتقادات صائرون الى الإقرار بأن الله سبحانه خالقهم ورازقهم، ومصرفهم ومدبرهم. أو يكون ذلك رجوعا في الآخرة، فيكون المعنى أنهم راجعون الى الدار التي جعلها الله تعالى مكان الجزاء على الأعمال، وموفّى الثواب والعقاب، والى حيث لا يحكم فيهم، ولا يملك أمرهم إلا الله سبحانه. وشبّه تخالفهم في المذاهب، وتفرقهم في الطرائق، مع أن أصلهم واحد، وخالقهم واحد، بقوم كانت بينهم، وسائل متناسجة، وعلائق متشابكة، ثم تباعدوا تباعدا قطع تلك العلائق، وشذب تلك الوصائل، فصاروا أخيافا مختلفين، وأوزاعا مفترقين). ب ـ وفي قوله تعالى "ومن النّاس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير أطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه" (الحج 11) يحمل الرضي الآية على التصوير الاستعاري، ويعطيك معنى عبادة المرء ربه على حرف، تشبيها بالقائم على جرف هار، وحرف هاو. يقول: (والمراد بها والله أعلم صفة الإنسان المضطرب الدين، الضعيف اليقين، الذي لم تثبت في الحق قدمه، ولا استمرت عليه مريرته، فأوهى شبهة تعرض له ينقاد معها، ويفارق دينه لها، تشبيها بالقائم على حرف مهواة، فأدنى عارض يزلقه، وأضعف دافع يطرحه). ج ـ وفي قوله تعالى "والذين تبوّءو الدار والإيمان من قبلهم" (الحشر 9)، تبرز استقلالية الشريف الرضي في الرأي، وشخصيته في النّقد، واعتداده بصميم بلاغة العرب فيقول: (وهذه استعارة لأن تبوؤ الدار هو استيطانها والتمكن فيها، ولا يصح حمل ذلك على حقيقته في الإيمان ، فلا بد إذن من حمله على المجاز والاتساع. فيكون المعنى أنهم استقروا في الإيمان كاستقرارهم في الأوطان. وهذا من صميم البلاغة ، ولباب الفصاحة، وقد زاد اللفظ المستعار ههنا معنى الكلام رونقا. إلا ترى كم بين قولنا : استقروا في الإيمان، وبين قولنا: تبوؤا. وأنا أقول أبدا: إن الألفاظ خدم للمعاني، لأنها تعمل في تحسين معارضها، وتنميق مطالعها).

وعن عن الشيخ عبد القاهر الجرجاني (ت: 471 هـ ) يقول الدكتور محمد حسين الصغير: والذي نؤكد عليه هنا أن تنظير عبد القاهر في المجاز جاء طافحا بآيات القرآن المجيد فهي أصل، وجاء الشعر والأمثال فرعا فيه، لأنه معنيّ ببيان إعجاز القرآن، فهو يستدل عليه بآياته الكريمة. انظر إليه وهو يتحدث عن المجاز العقلي (وهذا الضرب من المجاز كثير في القرآن ، فمنه قوله تعالى "تؤتي أُكلها كلّ حين بإِذن ربّها" (ابراهيم 25)، وقوله عز إسمه "وإذا تُليت عليهم ءاياته زادتهم إيمانا " (الانفال 2)، وفي الأخرى "فمنهم من يقول أيّكم زادته هذه إيمانا" (التوبة 124)، وقوله "وأخرجت الأرض أثقالها" (الزلزلة 2)، وقوله عزّ وجلّ "حتى إذا أقلّت سحابا ثقالا سقناه لبلد مّيّت" (الاعراف 57)).

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك