الصفحة الإسلامية

اشارات قرآنية في كتاب نظرات معاصرة في القرآن الكريم للدكتور محمد حسين الصغير (ح 15)


الدكتور فاضل حسن شريف

يستمر الدكتور محمد حسين الصغير رحمه الله في كتابه نظرات معاصرة في القرآن الكريم متحدثا عن ابراهيم عليه السلام قائلا: وسقط في أيديهم ، وألزمهم الحجة، وأحرجهم بداهة، فلا نطق ولا جواب ولا تفكير للأصنام، ولجأوا إلى منطق القوة والجبروت والطغيان "قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ (68) قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ (69) وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الأَخْسَرِينَ (70) وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ (71)" (الانبياء 68-71)، وغادر إبراهيم العراق إلى فلسطين، وبلي هناك بالهجرة إلى مصر، وأخرى إلى حيث وضع ولده وزوجته عند بيت الله الحرام ، وهنا فوجىء بالامتحان القاسي بذبح ولده وهو اسماعيل في أشهر الروايات على سبيل الايحاء الالهي في المنام "فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي المَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَىٰ قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102) فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103) وَنَادَيْنَاهُ أَن يَا إِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجْزِي المُحْسِنِينَ (105) إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْبَلاءُ المُبِينُ (106) وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107)" (الصافات 102-107). فكان من الأب أن امتثل الأمر المولوي، وكان من الابن أن استجاب لهذا الأمر بطلب فعله، وتدارك الله عبديه، وشكر لهما صنعهما، ونوّه بذكرهما، وإعتبرهما من المحسنين المستحقين للجزاء والثواب، على هذا البلاء والامتحان، وفداه بذبح عظيم. ولم يزل إبراهيم عليه‌السلام مناراً في الاختبار السرمدي، وهو في أواخر حياته، وقد منّ الله عليه بالذريّة، فذكر الله على ذلك وحمده "رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الحِسَابُ" (ابراهيم 41). وكان إبراهيم عبداً منيباً، ورجلاً كريماً سمحاً، وممتثلاً لأوامر الله تعالى ينفّذها حرفياً، فأقام القواعد من البيت يساعده عليه اسماعيل، واستقبل الأضياف، وحاجج الملائكة في قضية قوم لوط، ودعا إلى الله بكل ما استطاع، وقابل الهجرتين وسواهما بقلب سليم، ودعا الله وأناب إليه، كل ذلك مما لا شك فيه، وعليه ظواهر الكتاب، والذي يبدو أنه أختبر من قبل الله تعالى أواخر أيامه بكلمات فأتمهن "وَإِذِ ابْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ" (البقرة 124)، فقد جعله الله للناس إماماً لا ريب في ذلك ، إلا أنه طلب الامامة لذريته بعد تواجد هذه الذرية ، فما هو هذا الابتلاء العسير الذي ستظهر به قابلياته النفسية ، وملكاته الكامنة بالعمل والجد والسعي دون القول وحده، هذا الابتلاء كان متعلقاً بالكلمات، والكلمات جمع كلمة، والكلمة قد يراد بها الشخص في القرآن، الشخص بذاته، والانسان المعهود نفسه، أي أنها قد تطلق على الوجود العيني كما في قوله تعالى بالنسبة لعيسى عليه‌السلام "إِذْ قَالَتِ المَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ المَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ المُقَرَّبِينَ" (ال عمران 45). وبهذا يتجلىٰ أن كلمة الله هنا هي فعله، كما هي في غيرها قوله، قال تعالى "وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِن نَّبَإِ المُرْسَلِينَ" (الانعام 34).

ويستطرد الدكتور الصغير عن ابتلاءات ابراهيم عليه السلام قائلا: وقد ابتلى ابراهيم عليه‌السلام قبلها بأوامر إلهية صارمة كالهجرة وذبح الولد، وبناء البيت وإبعاد الأهل وسواها، وهنا لم يذكر شيئاً منها لعدم تعلق المقام فيها، إلا أن الغرض قد يكون واضحاً في هذه الكلمات بمقارنة قوله تعالىٰ "إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا" (البقرة 124)، فهو حديث خاص يتعلق باقتداء الناس به، يستضيئون بنور علمه، ويهتدون بما يفيض عليهم من كمالات الائتمام إستكمالاً للفيض الالهي عليه بعد أن كان نبياً ورسولاً وخليلاً، فأضاف إليها الإمامة وهي الولاية العامة على الناس، ويبدو أنه قبلها، بل وطلبها إلى ذريته، فكان الجواب "لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ" (البقرة 124) تعبيراً عن إبعاد الظالمين عن ولاية العهد الالهي، وبهذا يتجلّىٰ أن الظالم لا يصلح للإمامة لأنه لا يكون هادياً إلى الحق، وأن الامام يجب أن يكون معصوماً لأنه ليس بظالم، وجميع الذنوب من الظلم النفسي أو الغيري أو كلاهما معاً، ومن لم يذنب لا يعدّ ظالماً، فاقتضى القول بالعصمة، وهذا ما تؤيده النظرية العلمية الدقيقة في شؤون القرآن بعيداً عن المذهب الكلامي ومقالات الاسلاميين.

وعن رسل اولي العزم يقول الدكتور محمد حسين علي الصغير رحمه الله: وكانت رسالة إبراهيم عالمية، كما هو شأن رسالة نوح عليه‌ السلام، فهما موسى وعيسى ومحمد عليهم‌ السلام فيما بعد أولو العزم من الرسل، وكان بين إبراهيم عليه‌السلام وخلفه من أولي العزم قرون كثيرة، كان فيها أسماعيل وإسحاق ويعقوب ويوسف عليهم‌السلام ، وجمهرة أنبياء بني إسرائيل حتى موسى عليه‌السلام الذي ولد في عصر ذبح المواليد من قبل فرعون مصر، وكانت سلامته بعناية من الله بايحاء لأمه "وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ المُرْسَلِينَ * فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ" (القصص 7-8).

يقول الدكتور محمد حسين الصغير عن نبي الله موسى عليه السلام: ونشأ موسى عليه‌السلام في بحبوحة القصر الفرعوني من بعد أن بصرت به أخته وهم لا يشعرون، فاسترجعته لأمه "فَرَدَدْنَاهُ إِلَىٰ أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ" (القصص 13). وبلغ موسى عليه‌السلام أشده وهو في قصر فرعون وبرعاية امرأته الصدّيقة، فآتاه الله الحكم والعلم، وجرت على يديه قوة وبطولة في مصر، وغادرها خائفاً، وتوجه تلقاء (مدين) وسقىٰ الماء الأمتين، وأستضافه أبوهما، وكان نبيّ الله شعيب، وتزوج إحدى ابنتيه، وقضى أبعد الاجلين في خدمته "فَلَمَّا قَضَىٰ مُوسَى الأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِّنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (29) فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِن شَاطِئِ الْوَادِ الأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ المُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَن يَا مُوسَىٰ إِنِّي أَنَا اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (30)" (القصص 29-30). وآتاه الله الآيات البينات، وابتعثه رسولاً، وشد عضده بهارون أخيه، وذهبا إلى فرعون، فرمي بالسحر، وجمع له السحرة، فألقوا حبالهم وعصيهم ، وألقى موسى عصاه، وإذا بها تلقف ما يأفكون "فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ (46) قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (47) رَبِّ مُوسَىٰ وَهَارُونَ (48)" (الشعراء 46-48).

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك