الصفحة الإسلامية

اشارات قرآنية في كتاب نظرات معاصرة في القرآن الكريم للدكتور محمد حسين الصغير (ح 13)


الدكتور فاضل حسن شريف

جاء في كتاب نظرات معاصرة في القرآن الكريم للدكتور محمد حسين علي الصغير عن نظرية دارون في النشوء والارتقاء: والقرآن الكريم يؤكد حقيقة الخلق الاعجازي والطبيعي لا في التركيب بل في الانفصال الأولي والالتقاء الثانوي، فالانسان ترابي الأصل، منويّ التفريع في التكوين، فله تعالى وحده الحديث عن دقة الصنع وعظمة الخلق ، ومساحة المصنع التكويني الذي لا يتجاوز الرحم في صغره، ليتولد منه هذا الانسان، يقول تعالىٰ "وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن سُلالَةٍ مِّن طِينٍ (12) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ (13) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا المُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الخَالِقِينَ (14)" (المؤمنون 12-14). وفي الآية ردٌّ على نظرية الأستاذ ( دارون ) في النشوء والارتقاء ، فالانسان خُلِقَ متطوراً بعد هذه الأطوار. وفي هذه الآيات تتجلىٰ القدرة الباهرة في تطويع السلالة الانسانية حيث التدرج التكويني من البسيط إلى المركب، ومن الصعب إلى الأصعب، فهذه المواد الأولية في التركيب للكيان الانساني: تراب، نطفة، علقة، مضغة، عظام، لحم، تكوّن جسماً ما ولكن ذلك يترتب عليه خلقٌ آخر في الانشاء، ذلك الخلق الآخر هو الانسان، فهو شيء إذن، والمراحل التكوينية شيء آخر، فهو ليس من جنس تلك المراحل بل هو إمتداد لها ، وإبداع حادث فيه العلم والقدرة والحياة والنطق والإرادة، وهي معالم تختلف تماماً عن جنس المواد التي ركب منها، وهذا ملحظ دقيق للغاية. وتناسل هذا الانسان الأول ( آدم) فكانت ثمرته (قابيل وهابيل) ولمّا كان التعليل الكوني في خلق الانسان وسواه هو توحيد الله وعبادته "وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ" (الذاريات 56) والعبادة تشمل كل الفروض والسنن التي نادىٰ بها شعار الخلق بما فيها التقرب إلى الله في مراسم القرابين، فقرّب قابيل قربانه فلم يتقبل منه، وتقبل من أخيه هابيل ، فأخذته الأنانية، وتمكن منه الغيظ وربما الحسد، فأقدم على قتله دون تورّع، أما كيف علما بتقبل القربان وعدمه فإنه كان من المعهود عند الأمم السابقة تقبل القربان المتقرب به بأكل النار إياه، قال تعالى "حَتَّىٰ يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ" (ال عمران 183). فمن الممكن أن يكون التقبل للقربان في هذه القصة أيضاً على هذا النحو. وكيف ما كان فالقاتل والمقتول جميعاً كانا يعلمان قبوله من أحدهما وردّه من الآخر. ذلك ما يقرره القرآن في سورة المائدة الآيات (27 ـ 31) والتي تبدأ بقوله تعالى "وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ المُتَّقِينَ" (المائدة 27).

ويستطرد الدكتور الصغير رحمه الله قائلا: ومن هنا بدأ الصراع الدموي عند الانسان متمثلاً بالكفر والايمان، ومرت البشرية بأدوار وأطوار لا يعرض القرآن لتفصيلها دون الاجمال، حتى بعث أبو البشر الثاني نوح عليه‌ السلام في العراق، وفي الكوفة على وجه التحديد، ذلك ما يحكيه القرآن في خطابه للنبي محمد صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم، قال تعالىٰ "إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَىٰ نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ" (النساء 163). فهذا الوحي النازل على محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم له سابقة تأريخية بما أوحاه الله إلى نوح والأنبياء من بعد نوح ، فالقرآن إذن يبدأ حديثه عن وحي الأنبياء إعتباراً من نوح إلى نبينا محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولهذا كان نوح عليه‌ السلام هو المقدم في الذكر بعد آدم مباشرة، قال تعالىٰ "إِنَّ اللهَ اصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ" (ال عمران 33). وكانت رسالة نوح واضحة المعالم بالدعوة إلى التوحيد، قال تعالىٰ "لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ" (الاعراف 59). ولم تجد رسالة نوح آذاناً واعية ، ولا أسماعاً صاغيةً، بل كان قومه من العتاة الطغاة المتكبرين، لذلك فقد صرح القرآن الكريم بقلة من آمن مع نوح "وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ" (هود 40)، وسلك العديد الأكثر طرق الضلال وعبادة الأوثان والأصنام في معزل عن الدعوة الالهية إلى التوحيد، وتواصوا بالأبقاء على الأوثان "وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا" (نوح 23). والملاحظ هنا أن أسماء هذه الأصنام أسماء عربية، فهل كان نوح عربياً وهل كانت المنطقة عربية، وهل ورثوها من قوم عرب، إن لم يكونوا هم عرباً، هذا ما يجيب عليه علماء الآثار واللغات والحفريات. وكان قوم نوح بحيث أتعبوا نوحاً تعباً مضنياً، فلم يستمعوا له، ولم يستجيبوا لدعوته، بل قابلوه بما حكاه القرآن الكريم عنه "وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا" (نوح 7).

وعن تعامل قوم نوح معه عليه السلام يقول الدكتور محمد حسين الصغير رحمه الله: بل ذهبوا إلى أكثر من هذا مع سماحة النبي، وبرّه في الدعاء، ولين الجانب، وتكرار الدعوة، فعبّر عنهم نوح "وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا" (نوح 22)، حتى ضاق بهم ذرعاً طيلة هذه المدّة الطويلة التي بلغت ألف سنة إلا خمسين عاماً، فما أجدى معهم الوعظ ولا الارشاد ولا حسن التأني الذي جبل عليه نوح عليه‌ السلام "فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ" (القمر 10)، فأمره تعالى بصنع السفينة، وضرب له موعداً فيها بمجيء الأمر لدى فوران التنور ، فكان ذلك علامة له، وفيه توجيه وإخبار، توجيه فيمن يحمل معه في السفينة، وإخبار بهلاك الذين سبق عليهم القول، قال تعالى "فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا فَإِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ" (المؤمنون 27). وكان صنع الفلك بعناية من الله، وبمرئىً منه، وفي ظل مراقبته القصوى، ورعايته الالهية المعهودة مع الأنبياء، وكان قومه يعجبون من هذا الصنع وبهذه السعة الكبيرة، ويبدو أنهم بمنأى عن الحياة البحرية، وإستقرارهم في مناخ بدوي لا يعدو القوافل الساذجة البدائية "وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِن تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ" (هود 38). ونفّذ نوح ما أوحى الله به إليه، فأسلك فيها من كل زوجيْن إثنين ومعه القلّة من المؤمنين، وأخبرهم بمصيرهم، وهذا الأسلاك كما هو ظاهر القرآن ينبىء أن الطوفان شامل للكرة الأرضية آنذاك، فأراد الله إستمرارية الحياة للكائنات ومسيرة الحضارة في الحياة، ولو لم يكن الأمر كذلك لكانت الحياة باقية في جزء من الأرض، كما هي فانية في جزء آخر، لهذا فذهب بأن الطوفان كان عالمياً، وصدر الأمر الالهي الصّارم "فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُّنْهَمِرٍ (11) وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى المَاءُ عَلَىٰ أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (12)" (القمر 11-12).

 

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك