الصفحة الإسلامية

فرعون وآله في القرآن الكريم (ح 13)


الدكتور فاضل حسن شريف

الحوار بين موسى عليه السلام وقومه يؤكد ان على الرعية الصبر وعدم الاستكانة والخضوع للظالم فرعون كما قال الله عز وعلا "وَقَالَ الْـمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ * قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ * قَالُوا أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِيَنَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ" (الأعراف 127-129). ان التعصب والتفرق والتشريد في الديار والاستعباد كل ذلك نتيجة الاختلاف بسبب الجهل والطغيان وحب السيطرة نتيجة فساد فرد مثل فرعون والمجموعة المحيطة به "إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ ۚ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ" (القصص 4). والذين يتبعون ذلك الفرد او الجماعة الطاغية نتيجة ان ابائهم وعشيرتهم اتبعوا السادة الطغاة "وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ" (لقمان 21)، و "وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ وَقَالُوا مَا هَذَا إِلَّا إِفْكٌ مُفْتَرًى" (سبأ 43)، و "إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ" (الصافات 69)، و "بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ" (الزخرف 22). وتحدَّث القرآن الكريم عن شرطين لابد أن يتوفَّران في الدعاة وهما الصبر واليقين وخاصة في وقت الضيق والشدة، مثلما حدث مع موسى عليه السلام عندما كان البحر من أمامه وفرعون وجيشه من خلفه وتراءى الجمعان؛ قال تعالى: "فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ"(الشعراء 61-62).

عن الإمام علي بن الحسين زين العابدين عليه السّلام قوله: (والذي بعث محمّدا بالحقّ بشيرا و نذيرا، إنّ الأبرياء منّا أهل البيت و شيعتهم بمنزلة موسى و شيعته، و إن عدونا و أشياعهم بمنزلة فرعون و أشياعه). الظالمون هم المفسدون يستضعفون الناس بشيعهم وطوائفهم بعد استضعاف عزيز كل شيعة وطائفة "إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ" (القصص 4). ورد في حديث عن الإمام الصادق قوله عليه السّلام: (التقية ديني و دين آبائي، و لا دين لمن لا تقية له، و التقية ترس اللّه في الأرض، لأنّ مؤمن آل فرعون لو أظهر الإسلام لقتل).

جاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: و من أجل أن يظهر اللّه تعالى عنايته و لطفه لموسى أكثر، و كذلك منح الفرصة للمنحرفين للهداية أكثر، قال لموسى بأن معاجزه ليست منحصرة بالمعجزتين الآنفتين، بل‌ "فِي تِسْعِ آياتٍ إِلى‌ فِرْعَوْنَ وَ قَوْمِهِ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ‌" (النمل 12). و يستفاد من ظاهر الآية أن هاتين المعجزتين من مجموع تسع معاجز "آيات" (النمل 12) موسى المعروفة، و قد استنتجنا ذلك من الآية (101) من سورة الإسراء، و إن المعاجز السبع الأخر هي: 1- الطوفان 2- الجراد 3- كثرة الضفادع 4- تبدل لون نهر النيل كلون الدم 5- الآفات في النباتات. و كل واحدة من هذه المعاجز الخمس تعدّ إنذارا لفرعون و قومه، فكانوا عند البلاء يلجأون إلى موسى ليرفع عنهم ذلك. أمّا المعجزتان الأخريان فهما 6- القحط "السنين" (الاعراف 130) 7- و نقص الثمرات. إذ أشارت إليهما الآية (130) من سورة الأعراف فقالت: "وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَ نَقْصٍ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ‌" (الاعراف 130) كما ورد في الآية (101) من سورة الإسراء "وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورًا" (الاسراء 101). و أخيرا تعبّأ موسى بأقوى سلاح من المعاجز فجاء إلى فرعون و قومه يدعوهم إلى الحق، كما يصرح القرآن بذلك في آيته التالية "فَلَمَّا جاءَتْهُمْ آياتُنا مُبْصِرَةً قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ" (النمل 13)‌. قوله تعالى "وَ لَقَدْ آتَيْنا مُوسى‌ تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ فَسْئَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ إِذْ جاءَهُمْ فَقالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا مُوسى‌ مَسْحُوراً (101) قالَ لَقَدْ عَلِمْتَ ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ إِلاَّ رَبُّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ بَصائِرَ وَ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً (102) فَأَرادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْناهُ وَ مَنْ مَعَهُ جَمِيعاً (103) وَ قُلْنا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنا بِكُمْ لَفِيفاً (104)" (الاسراء 101-104) في البدء يقول تعالى: "وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى‌ تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ‌" (الاسراء 101). و لأجل التأكيد على الموضوع اسأل و الخطاب موّجه إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بني إسرائيل (اليهود) أمام قومك المعارضين و المنكرين: "فَسْئَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ إِذْ جاءَهُمْ‌" (الاسراء 101). إلّا أنّ الطاغية الجبار فرعون- برغم الآيات- لم يستسلم للحق، بل أكثر من ذلك اتّهم موسى‌ "فَقالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا مُوسى‌ مَسْحُوراً" (الاسراء 101). و في بيان معنى (مسحور) ذكر المفسّرون تفسيرين، فالبعض قالوا: إنّها تعني الساحر بشهادة آيات قرآنية أخرى، تقول بأنّ فرعون و قومه اتّهموا موسى بالساحر، و مثل هذا الاستخدام وارد و له نظائر في اللغة العربية، حيث يكون اسم المفعول بمعنى الفاعل، كما في مشؤوم التي يمكن أن تأتي بمعنى شائم و ميمون بمعنى يامن. و لكن قسم آخر من المفسّرين أبقى كلمة (مسحور) بمعناها المفعولي و التي تعني الشخص الذي أثّر فيه الساحر، كما يستفاد من الآية (39) من سورة الذاريات التي نسبت السحر إليه، و الجنون أيضا، "فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَ قالَ ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ‌" (الذاريات 39). على أي حال، فإنّ التعبير القرآني يكشف عن الأسلوب الدعائي التحريضي الذي يستخدمه المستكبرون و يتهمون فيه الرجال الإلهيين بسبب حركتهم الإصلاحية الربانية ضدّ الفساد و الظلم، إذ يصف الظالمون و الطغاة معجزاتهم بالسحر أو ينعتونهم بالجنون كي يؤثروا من هذا الطريق في قلوب الناس‌ و يفرّقوهم عن الأنبياء. و لكن موسى عليه السّلام لم يسكت أمام اتّهام فرعون له، بل أجابه بلغة قاطعة يعرف فرعون مغزاها الدقيق، إذ قال له: "قالَ لَقَدْ عَلِمْتَ ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ بَصائِرَ" (الاسراء 102). لذا فإنّك يا فرعون تعلم بوضوح أنّك تتنكر للحقائق، برغم علمك بأنّها من اللّه فهذه "بصائر" (الاسراء 102) أي أدلة واضحة للناس كي يتعرفوا بواسطتها على طريق الحق. و عند ما سيسلكون طريق السعادة. و بما أنّك يا فرعون تعرف الحق و تنكره، لذا: "وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً" (الاسراء 102). (مثبور) من ثبور و تعني الهلاك. و لأنّ فرعون لم يستطع أن يقف بوجه استدلالات موسى القوية، فإنّه سلك طريقا يسلكه جميع الطواغيت عديمي المنطق في جميع القرون و كافة الأعصار، و ذاك قوله تعالى: "فَأَرادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْناهُ وَ مَنْ مَعَهُ جَمِيعاً". (يستفز) من استفزاز و تعني الإخراج بقوة و عنف. و من بعد هذا النصر العظيم: "وَقُلْنا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنا بِكُمْ لَفِيفاً" (الاسراء 104). فتأتون مجموعات يوم القيامة للحساب. (لفيف) من مادة لفّ و هنا تعني المجموعة المتداخلة المعقّدة بحيث لا يعرف الأشخاص، و لا من أي قبيلة هم.

عن الدكتور فاضل السامرائي: ما الفرق بين (الذكر) و(التسبيح)، ولماذا قدّم الذكر على التسبيح في قوله تعالى: "وَاذْكُر رَّبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ" (ال عمران 41). ولماذا قدم التسبيح على الذكر في قوله تعالى "كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا (33) وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا (34)" (طه 33-34)؟ أولاً الذكر أعمّ من التسبيح والتسبيح هو ذِكر. الذِكر أعم يشمل التسبيح والتحميد والتهليل فهو أعمّ والتسبيح قسم منه. فإذن التسبيح أخص من الذكر، فكل تسبيح ذكر وليس كل ذكر تسبيح. الذكر لم يجعل له وقتاً "وَاذْكُر رَّبَّكَ كَثِيرًا" (ال عمران 41). فلما كان التسبيح أخص خصص الوقت. أما لماذا قدّم التسبيح في آية سورة طه "كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا (33) وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا (34)" (طه 33-34)؟ كان موسى في حالة خوف أو في حالة ترقب خوف: "قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَن يَطْغَى" (طه 45) في حالة خوف أن يفعل بهم فرعون ما يفعل من سوء. والتسبيح ينجي من الغم وينجي من الكرب وربنا أخبر. لما كان موسى في حالة خوف قال "كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا" (طه 33) فبدأ بما يذهب الهم ويذهب الغم وينجي من الخوف. إذن التسبيح أخص من الذكر والذكر أعمّ.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك