د.مسعود ناجي إدريس ||
سورة القلم ، الآيات من ۱۷ إلى ۳۳
( ۱۷-۲۳ ) « إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ وَلَا يَسْتَثْنُونَ فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ أَنِ اغْدُوا عَلَىٰ حَرْثِكُمْ إِن كُنتُمْ صَارِمِينَ »
الملاحظات :
المراد من « طَائِفٌ » ، وباء أصيب البستان وأحرقه وتحول البستان إلى الرماد. «صرم » يعني تقطيع الفواكة و المراد من « كَالصَّرِيمِ» اقتلاع جميع الأشجار وقطعها بسبب الغضب الإلهي. «فَتَنَادَوْا» يعني دعوة الناس إلى التجمع في مكان واحد والتشاور وتبادل الأفكار. يصل الغضب الإلهي أحيانًا إلى الناس. مثلما غرق فرعون وجيشه ، « فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ» [ القصص ، ٤٠]. في بعض الأحيان يصل غضب الله إلى الأموال والممتلكات، مثل هذه الآيات التي تتحدث عن غضب الله الذي أحرق بستان مثمر، وأحيانًا تصل إلى الناس والممتلكات، وكلاهما، مثل قارون الذي خسف به هو ومنزله وكل ما يملك بالأرض. «فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ» [القصص، ۸۱]. في هذه السورة انتقد البخل مرتين. في مرة الأولى ذكر في الآية «مَنَّاعۢ لِلْخَيْرِ » والمرة الثانية في هذه القصة.
هذه الآيات تدل على أن السنة الحسنة للأجداد يجب أن تستمر، ولكن في هذه القصة قرر الورثة التخلي عن طريق الأب وحرمان الفقراء، والمعصية هنا هي سبب الحرمان. قال الإمام الباقر عليه السلام: « أن الرجل ليذنب الذنب فيدرأ عنه الرزق » [تفسیر نور الثقلين]
كما جاء في إحدى الروايات: أحياناً يحرم الإنسان من صلاة الليل بسبب المعصية. [تفسیر مراغي]
قيمة الأموال والممتلكات هي بقدر ما تحرف العمل، لذلك بأمر الله يهدم مسجد الضرار ويحرق العجل الذهبي للسامري. {لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا}. [طه، ٩٧]
v قصة البستان المحترق:
عندما مات البستاني الذي كان ينفق ثمار بستانه كل عام على الفقراء، قرر الورثة حرمان الفقراء، وعارضه واحد فقط من الورثة، لكن بخل معظمهم وقرروا حرمان الفقراء. وفي صباح الباكر ذهبوا إلى البستان ليقطفوا الثمار حتى لا يراهم الفقراء. ذهبوا إلى البستان، ورأوا أن البستان أصبح رمادا، وقالوا: نحن ضائعون، هذا ليس بستاننا. لكن شخص آخر قال: اعتقد أننا انحرفنا عن الطريق الصحيح لوالدنا، وقررنا حرمان الفقراء، لذلك حرمنا الله. قال الابن الذي كان ضد البخل من اليوم الأول: ألم أقل لكم إن هذا الفكر خطأ؟ لكنهم رأوا الغضب الإلهي واستيقظوا ولاموا بعضهم البعض.
الرسائل:
١- الاختبار هو أحد السنن الإلهية. « إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا »
۲- يعطي القرآن أمثلة مختلفة عن الوحدة الإلهية حتى نتعرف على طريقة الاختبار الإلهي.« كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ »
٣- خطط حرمان الفقراء تفشل.« أَقْسَمُوا ..... وَلَا يَسْتَثْنُونَ ... فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ»
٤- ليس كل قسم له قيمة .«أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ »
٥- لا يقتصر الغضب الإلهي على الآخرة ، ولكنه يحدث أحيانًا في هذه الدنيا وبسرعة كبيرة.«فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ»
٦- إن العقوبة مسألة سيادة ولها جانب تربوي.« طَائِفٌ مِّن رَّبِّكَ»
۷- لا أحد يستطيع أن يتفوق على الله. استيقظوا في الصباح الباكر لقطفوا الثمار ، لكن الله أحرق البستان في الصباح. « وَهُمْ نَائِمُونَ »
۸- يجب أن تكون العقوبة والجريمة متناسبة. لأنهم حرموا الفقراء حُرِموا من النعمة.« وَلَا يَسْتَثْنُونَ .. فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ»
۹- إن فكر الإنسان وتدبيره عديم الفائدة مقارنة مع إرادة الله. (هنا اتخذ الورثة قرارًا لكن الله إراد شيء اخر). «أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ ... فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ»
۱۰- الله حامي الفقراء. مع أن الفقراء لم يكونوا على علم بقرار الورثة ، لكن الله أحرق البستان لحماية الفقراء ومعاقبة الورثة البخلاء.«وَلَا يَسْتَثْنُونَ ... فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ »
۱۱- نجاح الإنسان لا يقتصر على حساباته. في هذه القصة ، كانت الحسابات شيء ، لكن النتيجة كانت شيئًا آخر. « لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ ... فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ »
۱۲- يعاقب على النوايا السيئة إذا اقترنت بالتخطيط واتخاذ الإجراءات الاحترازية. «وَلَا يَسْتَثْنُونَ ... فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ »
۱۳- الأفضل ألا يكون لديك ثروة لا تعطي منها للفقراء.« فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ »
١٤-الجشع والبخل لا يزيدان الثروة والتوفيق .«وَلَا يَسْتَثْنُونَ ... فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ»
• ( ۲۳ تا ۳۳ ) {فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ أَنْ لَا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ وَغَدَوْا عَلَىٰ حَرْدٍ قَادِرِينَ فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ عَسَىٰ رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا إِنَّا إِلَىٰ رَبِّنَا رَاغِبُونَ كَذَٰلِكَ الْعَذَابُ ۖ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ ۚ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾
الملاحظات :
« حَرْدٍ » يعني البخل والمنع عن الآخرين. «وَغَدَوْا عَلَىٰ حَرْدٍ» أي أن أصحاب الجنة تحركوا بنية حرمان الفقراء. الطمع والبخل يجعلان الإنسان قاسي القلب لدرجة أنه لا يرحم الفقراء والمحتاجين. «أَن لَّا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُم مِّسْكِينٌ». « أَوْسَطُهُمْ » يقال عن شخص ما أنه معتدل وبعيد عن التطرف. [مفردات راغب]
لا يستحب رعاية الفقراء ، بل واجب ؛ لأن الله لا يعاقب أحداً على ترك المستحب. في هذه الآية ، عقاب حرمان الفقراء من الثمرات هو حرق البستان في الدنيا ، وفي الآخرة يعتبر أهل الجحيم أن سبب وجودهم في جهنم هو تجاهل المحرومين. « مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ ... وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ» [المدثر، ٤٢،٤٤]
رعاية الفقراء ليست للمؤمنين الفقراء. في هذه القصة ، لا يتعلق الأمر بإيمان الفقراء وكفرهم ، بل يتعلق ببخل وجشع البعض وجوع وفقر الآخرين. في بعض الأحيان ، من أجل تغيير عقل الفرد وثقافته ، يجب الكشف عن شخص أو مجموعة من المذنبين في المجتمع لتعليم الآخرين درسًا. الله هو الذي « أظهر الجميل وستر القبيح » يكشف النقاب عن قصة البستان الذي أصبح رمادا . في الدعاء والحديث مع الله يجب ان نستخدم كلمة « ربنا » كثيرا. تتكرر هذه الكلمة مرات عديدة في هذه الآيات. « رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ ... عَسَىٰ رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا ..... إِنَّا إِلَىٰ رَبِّنَا رَاغِبُونَ » غضب الله إذا جاء يحرق الجميع. على الرغم من أن أحد الورثة عارض حرمان الفقراء ، إلا أن حصته احترقت أيضًا. من أمثلة العذاب الدنيوي:
أ ) سلب النعم.
ب) سلطة الأشرار.
ج) سلب التوفيق.
د) الحرمان من الأمن والسلام.
لكن عذاب الآخرة شديد واليم وعظيم وكبير. «وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ ۚ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ »
الرسائل :
1- كلما زادت النية الخبيثة ، زادت المخاطر.« أَنْ لَا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ» ( قالوا: لن يدخل أحد من المساكين البستان ، فحرق الله البستان كله)
۲- يصبح الحرص والبخل أحيانًا شديدًا لدرجة أن المرء لا يرغب في إفادة حتى الفقير. «مِسْكِينٌ » في قالب مفرد .
۳- النفسية الحريصة «وَلَا يَسْتَثْنُونَ» ، الخطة السرية« وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ » وأعمال القادرين « قَادِرِينَ » ، لن يجدي نفعا (بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ )
٤- من فوائد الأحداث المأساوية العودة إلى الذات.«فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ»
٥- إذا حرمنا الآخرين من شيء واحد ، فإننا سنحرم من عدة أشياء. «بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ» ( محرومون من الثمار ، محرومون من الثواب الإلهي ، محرومون من دعاء الفقراء ، محرومون من إرضاء روح الأب ، محرومون من العزة الاجتماعية )
٦- قل الحق ، حتى لو كنت من الأقلية. « قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ ... »
۷- الاعتدال والحكمة ينصران الفقير ويمنعان الطمع. « قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ »
۸- اغتنم الفرص المتاحة في طريق التبليغ ، أولئك الذين لم يكونوا مستعدين لسماع الحق في الأمس ، على استعداد للاستماع اليوم.« قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ »
۹- عند تحليل المصائب وفحصها ، لنعترف بنواقصنا ونمجد وننزه الله. « سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ »
۱۰- عوض عن ما لم تفعله بالأمس.« لَوْلَا تُسَبِّحُونَ - سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ »
١١- إن أصل الحرمان من النعمة الإلهية هو ظلم الإنسان لنفسه. « بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ ..... سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ »
۱۲- إذا لم تكن الوحدة قائمة على التقوى ، فإنها ستتفكك في النهاية . (الإخوة ، الذين اعتادوا أن يكونوا متواطئين في الحرمان ، اليوم يلومون بعضهم البعض. «فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ»
۱۳- إن عدم إعطاء حقوق الآخرين هو ظلم للنفس وطغيان على الآخرين. « إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ .. إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ »
١٤- أمام الله ، لنعترف أكثر بضعف وقبح أفعالنا. « إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ .. إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ » ( كما يقول الإمام علي (ع) في دعاء كميل:« مُعْتَذِراً نادِماً مُنْكَسِراً مُسْتَقيلاً مُسْتَغْفِراً مُنيباً مُقِرّاً مُذْعِناً مُعْتَرِفاً » )
١٥- عندما تفقد ممتلكاتك الدنيوية ، أطلب من الله أن يمنحك من رحمته أفضل مما خسرت. «عَسَىٰ رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا »
١٦- يد الله مفتوحة للعطاء والتعويض. لا ينبغي للخطاة أن ييأسوا ويعتبروا أنفسهم مهزومين إلى الأبد. « عَسَىٰ رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا»
۱۷- لم يفت الأوان بعد للعودة إلى الله. « إِنَّا إِلَىٰ رَبِّنَا رَاغِبُونَ» ( فلما رأى أصحاب البستان ان البستان يحترق استيقظوا من غفلتهم وتابوا والتفتوا إلى الله. )
۱۸- كسر قلب الفقراء له عقاب دنيوي وعقاب في الآخرة. « كَذَٰلِكَ الْعَذَابُ ۖ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ ۚ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ »
١٩ - الإيمان بعقاب يوم القيامة يمنع البخل والطغيان والظلم. «كَذَٰلِكَ الْعَذَابُ ۖ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ ۚ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ »...
https://telegram.me/buratha
