السكينة اية ربانية تميز المؤمنين بالله ورسوله عن غيرهم

 

ضياء ابو معارج الدراجي ||

 

في البداية لا بد لنا ان

ُنعرف السكينة ونفهم معناها اللغوي وهذا المعنى  في زمن نزول القران بلغة قريش العربية.

١. السكينَة

السكين

٢. السكينَة

الْجَارِيَة الْخَفِيفَة الرّوح الظريفة النشيطة

٣. السكينَة

الطُّمَأْنِينَة والاستقرار والرزانة وَالْوَقار

ما يهمنا رقم (٣) حيث عرفت السكينة بالطمانينة والاستقرار والرزانة والوقار

وقد ذكرها الله في القران الكريم  على انها اية من اياته  بقوله تعالى

وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَىٰ وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ.

الآية [248] - سورة البقرة

كما اوردها بايات اخرى يربطها بشرط شمولها المؤمنين بالله حصرا كقوله تعالى

ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا ۚ وَذَٰلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ

الآية [26] - سورة التوبة

وقوله تعالى

هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ ۗ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا

الآية [4] - سورة الفتح

وقوله تعالى

لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا.

الآية [18] - سورة الفتح

في الاية اعلاه نزلت السكينة على المؤمنين حصرا وليس المتواجدين او المبايعين تحت الشجرة كافة  وانما خصصت للمؤمنين فلم يقل رضي الله على المبايعين او المصاحبين لك تحت الشجرة وانما خصصت حصرا بالمؤمنين اي اختصت بالمؤمنين حصرا.

وقوله تعالى

إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَىٰ وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا ۚ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا

الآية [26] - سورة الفتح

من الآيات اعلاه نفهم جيدا ان السكينة لا تنزل الا في قلب نبي او مؤمن بالله ورسوله وكتابه ولا يشترط التواجد في مكان نزول الاية للشمول وانما الشمول باية السكينة شرطها الايمان وقد اوصل لله لنا هذه الفكرة في كتابه الكريم حين شمل النبي محمد صلى الله عليه وأله وسلم بالسكينه دون صاحبه في الغار بقوله تعالى

إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ

اللَّهَ مَعَنَا ۖ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَىٰ ۗ وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ

الآية [40] - سورة التوبة

بغض النظر عن الصحبة التي كانت معه او الشخصية المتواجده معه في الغار ان كانت دليله عبدالله بن بكر الليثي الملقب ب(اريقط) او عتيق ابن ابي قحافة الملقب ب(عبدالله  ابو بكر الصديق)  رغم تشابه الاسماء وتضارب الروايات.

فان السكينة لم تنزل الا على النبي صلى الله عليه واله وسلم ولم تشمل صاحبه الثاني في الغار والله تعالى يقول في كتابة الكريم عن السكينة

هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ ۗ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا

الآية [4] - سورة الفتح

اذن نفهم من الاية ان من كان مصاحب لرسول الله في الغار لم يكن مؤمن بالله ولا مؤمن بقدرة الله لذلك لم يستحق السكينة والطمئنان والرزانة والوقار التي خصها الله لرسوله والمؤمنين.

ومن هذه الاية لا بد لنا ان نفهم معنى الصحبة  في كتاب الله تعالى حيث قال

يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا ﴿٤١ يوسف﴾

فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا ﴿٣٤ الكهف﴾

قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ﴿٣٧ الكهف﴾

فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ﴿١٥ لقمان﴾

مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ ﴿٤٦ سبإ﴾

مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَىٰ ﴿٢ النجم﴾

فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَىٰ فَعَقَرَ ﴿٢٩ القمر﴾

فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ ﴿٤٨ القلم﴾

وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ ﴿٢٢ التكوير﴾

حيث يبين الله تعالى في اياته ان الصحبة ليست شرط في الايمان و التوافق الايماني والعقائدي و لا تعتبر فضيلة كاصحاب سجن يوسف عليه السلام.   وكذلك اطلق صفة الصحبة بين النبي و كفار قريش في ايات القران (وما صاحبكم بمجنون) و تعطينا الاية التالية المعنى الحقيقي للصحبة بين الناس حيث كان حوارها بين كافر ومؤمن بقوله تعالى

قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ﴿٣٧ الكهف﴾

والصحبة هنا صحبة حوار ومكان حدثت بين كافر ومؤمن ليس بينهما توافق عقائدي او ايماني .

اذا لا توجد فضيلة للمصاحبة برفع شان احد حتى وان كانت مع نبي او تواجد معه في مكان ما وخصوصا ان الله تعالى خص اية السكينة برسوله والمؤمنين حصرا و نزعها من الاخرين وكما اوردنا سلفا ان صاحب غار الرسول لم يشمل بالسكينة الالهية فنزع عنه تماما صفة المؤمن في كتابه الكريم.

فلا معنى للمصاحبة دون ايمان والله يرسل رسائله للمؤمنين عن طريق تدبر ايات كتابه الكريم ليشرح الصدور ويعرف المؤمنين الطريق الصحيح الى الله تعالى واتباع اصحاب الصراط المستقيم وهو القائل

{كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص:29].

وهو القائل ايضا

قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا ۖ قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَٰكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ ۖ وَإِن تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (14) الحجرات

حيث فرق بين الايمان والاسلام فليس كل مسلم مؤمن لكن كل مؤمن مسلم

بما يخص الفضل والايمان و الدرجات العاليا فنحن اليوم افضل من اصحاب رسول الله صلى الله عليه واله وسلم  بكثير حيث روى احمد من حديث أبي جمعة قال: تغدينا مع رسول الله صلى الله عليه واله وسلم, ومعنا أبو عبيدة بن الجراح, فقال: يا رسول الله, أحد منا خير منا؟ أسلمنا وجاهدنا معك, قال: نعم, قوم يكونون من بعدكم, يؤمنون بي ولم يروني. قال الألباني: رواه الدارمي وأحمد والحاكم وصححه, ووافقه الذهبي, وإسناد الدارمي وأحمد إسناد صحيح.

اذن مؤمنوا العصور بعد رسول الله افضل من اصحابه الذين عاصروه في حياته واحب له منهم. هم من اتبع الله ورسوله وعترته افضل الخلق و افضلهم ايمانا دون ان يروهم او يعاصروهم وانما امنوا بهم واتبعوا هداهم لقوله تعالى

وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَىٰ (82)طه

فالتوبة والإيمان والعمل الصالح هي صفات المؤمن بالله ورسوله في عهد  رسول الله وبعده مترابطة معا لذلك استخدم حرف العطف الواو الا (اهتدى) حيث تقصد الولاية بعد رسول الله بسبب استخدام حرف العطف (ثم)  بدل الواو (ثم اهتدى) وهو

حرف عطف يدلّ على الترتيب مع التراخي في الزمن، كقوله تعالى: السجدة آية 7 ثُمَّ 9وَبَدَأَ خَلْقَ الإنْسَانِ مِنْ طِينٍ ، ثُمَّ جَعلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخ ِفيهِ مِن رُوحِهِ )).

بينما واو العطف تدل على مطلق الجمع بين المعطوف والمعطوف عليه في معنى واحد، فهي لا تدل على أكثر من التشريك في المعنى العام؛ فلا تُفيد الدلالة على ترتيب زمني بين المتعاطفين وقت وقوع المعنى وهو التوبة والايمان والعمل الصالح.

نرى ان الله تعالى يركز في كتابه الكريم على اتباع اياته ورسوله والمؤمنين  ويبين لنا من هم المؤمنين وصفاتهم ومن هم غير المؤمنين من بين ثنايا ايات كاتبه الكريم ويحثنا على اتباع من ذكرهم فيه وهو القائل

إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55)المائدة

وهذه الاية حسب كل الروايات تخص الامام علي عليه السلام كونه الولي بعد رسول الله و واجب الطاعة و الاتباع.

والولاية هنا تختلف عن الولاية في قوله تعالى

وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ أُولَٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71) التوبة

حيث ان الولاية في الاية ٧١ من سورة التوبة تعني المحبة والتراحم  والتناصر والتواصل بين المؤمنين واما الولاية في الاية ٥٥ من سورة المائدة فهي مشتقة من ولاية الله من حيث ان الله ولي المؤمنين ولاية شاملة في كل شيء  والواو  لعطف المعنى فتكون ولاية النبي على المؤمنين شاملة ايضا واختص المؤمنين بولاية الناس واعطى صفات الولي الواجب اتباعه وهو من اعطى الزكاة اثناء الركوع ولم يفعلها سوى امير المؤمنين علي عليه السلام قبل نزول الاية المباركة.

 

ومن الله التوفیق