الصفحة الإسلامية

مدخل قرآني لفهم مسألة التخلف


 

محمد عبد الجبار الشبوط ||

 

لفهم مسالة التخلف من وجهة النظر القرآنية، علينا ان نفهم المجتمع من نفس الوجهة.

الاية ٣٠ من سورة البقرة تضع اساس الرؤية القرانية للمجتمع، حيث تقول:

"وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً".

وقد فهم  الصدر من هذه الاية ان المجتمع يتألف من ثلاثة عناصر هي:

العنصر الاول: الانسان

العنصر الثاني: الارض

العنصر الثالث: العلاقة المزدوجة بين الانسان واخيه الانسان، وبين الانسان والطبيعة.

والواضح من هذه الاية انها تتحدث عن اربعة اطراف داخلة في بناء المجتمع الانساني وهي: الله، الاستخلاف، الانسان، الارض.

حيث ان الله، اي صفاته، هو المثل الاعلى للحركة الحضارية للمجتمع الانساني؛

والانسان هو الكائن العاقل المستخلف ذو الارادة الحرة؛

والارض هي المستقر ومصدر الثروة. "هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ ۖ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ". مع ملاحظة ان المشي في الارض يجب ان على نحو الاستقرار، لان الاستقرار شرط في نشوء الحضارة والمدنية والمجتمع: "وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ ۗ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ"

والاستخلاف في الارض هو العنوان القراني لمنظومة القيم العليا الحافة بالمركب الحضاري وعناصره الخمسة، اي الانسان والارض والزمن والعلم والعمل، ومصدر الشرعية لحق الجماعة البشرية في حكم نفسها بنفسها والسيادة على الارض.

ويحكم الاستخلاف العلاقات الانسانية، والعلاقات الطبيعية، معا.

يتفرع عن ذلك ان العلاقة بين الانسان والانسان تقوم على اساس:  الحرية، والعدالة، والمساواة، والتعاون، والشورى.

كما يتفرع عن ذلك ان العلاقة بين الانسان والارض تكون على اساس الاستثمار والاستمتاع والاعمار.

يقدم القران هذه الافكار للانسان، ويخيره بين التقدم على اساسها، او التأخر بعكس ذلك:

"لِمَن شَاءَ مِنكُمْ أَن يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ".

والامر مرتبط بمشيئة الانسان، فالانسان هو الذي يبني الحياة الطيبة بنفسه: "لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ". وهو الذي يفسد في الارض: ""ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ".

فان تم كل شيء على اساس هذه النظرة تقدم الانسان، والتقدم يعني اقامة الحياة الطيبة للانسان في الارض في الدنيا: "مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً".

تتحقق حالة التقدم بالشروط التالية: "وَأَن لَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاءً غَدَقًا" "وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَٰكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ". "فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ".

وعلى النقيض من ذلك، يحصل التخلف في الحالات التالية: "وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ". كلمة "ذكري" هي منظومة القيم العليا الحافة بالمركب الحضاري.

 ولهذا نقول ان التخلف هو عبارة عن خلل حاد في المركب الحضاري ومنظومة القيم العليا الحافة به.

وهذا القول المستند الى الرؤية القرانية العميقة  ادق واشمل من كل النظريات الوضعية في تفسير ظاهرة التخلف. بل ان هذه النظريات توضح وتشرح جوانب  من الرؤية القرانية، ولكن لا يمكن ان تكون بديلا عنها.

ولكن عدم الانطلاق من هذه الرؤية القرانية في تفسير التخلف سوف يجعل الرؤية قاصرة وناقصة.

ومعالجة التخلف تتم باصلاح الخلل في المركب الحضاري للمجتمع:"إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ". حيث ان عبارة "مَا بِأَنفُسِهِمْ" تعني المحتوى الداخلي للمجتمع الذي يتكون من منظومة القيم العليا الحافة بالمركب الحضاري، وعبارة "مَا بِقَوْمٍ" تعني البناءات الفوقية للمجتمع من سياسة واقتصاد وعلاقات اجتماعية وغير ذلك.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
التعليقات
رسول حسن...... كوفه
2021-03-04
لقد كانت بيد السيد الشبوط قناة اعلاميه رسميه حكوميه ومن خلالها كان يستطيع ان يعطي ملامح (المركب الحضاري) للاسلام المحمدي الاصيل الاضواء والبريق الذي يستحقه لكنه جعل الصوره ضبابيه لدى المتلقي حين خلط بين المكونات الدينيه والسياسيه وغيرها دون ان يظهر لنا الصوره الحقيقيه للتشيع ولم يواجه او يعالج الهجمات علي المرجعيه ولم يعطيها حقها ازاء مواقفها التي قلبت معادلات الاستكبار العالمي الرامي الى تفتيت المرجعيه واضعاف دورها الريادي. ارجو منكم النشر وان كانت تعليقاتي لم تنشر ولو مره واحده ولاادري الاسباب
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
زياد مصطفى خالد : احسنت تحليل واقعي ...
الموضوع :
مسرحية ترامب مع زيلنسكي والهدف الامريكي !!
ابو حسنين : انظرو للصوره بتمعن للبطل الدكتور المجاهد والصادق جالس امام سيد الحكمه والمعرفه السيد علي السستاني بكل تواضع ...
الموضوع :
المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني يستقبل الطبيب محمد طاهر أبو رغيف
قتيبة عبد الرسول عبد الدايم الطائي : السلام عليكم اود ان اشكركم اولا على هذا المقال واستذكاركم لشخصيات فذة دفعت حياتها ثمنا لمبادئها التي ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
م خالد الطائي : السلام عليكم, شكرا لصاحب المقال, عمي مالك عبد الدايم الطائي: خريج 1970م، تخرج من كلية العلوم بغداد ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
ام زهراء : مأجورين باىك الله فيكم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
علاء عبد الرزاق الانصاري : الاهم صلي على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
فيسبوك