الصفحة الإسلامية

دعوة تأمل لتوبة نصوح


الشيخ جلال الدين علي الصغير

 

عجيب هذا المخلوق الذي اسمه الكورونا أذلّ العظماء وأسقط الجبابرة وهو من لا يرى بالعين المجردة!!

عجيب هذا المخلوق الذي يسمى بالكورونا!

هو لا يرى بالعين المجردة.

وقوامه من الوهن بمكان بحيث أن قليلاً من الصابون يمكن أن يرديه.

ولكن ما فعله هذا المخلوق الواهن القوى هو أمر عجيب يجب أن يتوقف عنده العلماء والعقلاء والحكماء ملياًّ!!

وما صنعه هذا المخلوق الضئيل الحجم هو أمر مذهل يجب أن يتدبّر فيه كل من له حسّ أو مسحة من فكر أو رغبة في حياة أو أمل في دنيا!!

وما أنتجه هذا المخلوق المتواضع في خلقته! المتضائل في بنيته! هو أمر أطار كل لبّ، وأذهب بكل فكر، وأقلق كل قلب وأفزع كل هاجس!!

مخلوق حتى تراه يجب أن تمتلك القدرة على رؤية المجهريات، ولكنه من الصنف الذي إذا تحرك ارتاعت له القلوب وبلغت الحناجر، وامتلأت الصدور رعباً لمجرد التلفظ باسمه!

هذا المخلوق العجيب أطاح بأصحاب الصواريخ النووية والترسانات المرعبة والجيوش العظيمة والبنوك المتخمة، وأذلّ المتغطرسين الجبابرة والمتكبرين المتفرعنين والطواغيت المتبجحين، بحيث جعلهم يبحثون عن ملجأ أو حجر خشية أن يصل إليهم أو يمرّ بهم!!

كم يذكرني هذا المخلوق العجيب بالأبيات التي قرأها الإمام الهادي عليه السلام حينما تقابح معه المتوكل العباسي لعنه الله وطلب منه أن يشرب الخمر معه!! وأن ينشده شعراً

باتوا على قلل الأجبال تحرسهم * غلب الرجال فلم تنفعهم القلل

واستنزلوا بعد عز من معاقلهم * وأسكنوا حفرا يا بئسما نزلوا

ناداهم صارخ من بعد دفنهم * أين الأساور والتيجان والحلل

أين الوجوه التي كانت منعّمة * من دونها تضرب الأستار والكلل

فأفصح القبر عنهم حين ساءلهم * تلك الوجوه عليها الدود تقتتل

قد طال ما أكلوا دهرا وقد شربوا * وأصبحوا اليوم بعد الأكل قد أكلوا

انظروا ماذا فعله هذا المخلوق في العالم؟

مطارات تغلق والمترو يعطل والقطارات تقف والسيارات تتعطل وقد كانت لو تأخرت دقائق لخلقت أزمة في العالم!

أوربا التي كانت مهوى القلوب ومطمح الملايين أصبح من فيها حائراً كيف يتخلص منها!

النوادي والملاهي والفنادق والمتاجر العظيمة والملاعب والمسارح وقاعات السينما والشوارع المكتظة قد أصبحت أرضاً بلاقع، لا يجري فيها إلا الحيوان الشارد ولا يمر بها إلا الطير الجائع.

المستشفيات تعجّ بأهلها، والمقابر تزدحم بوافديها، والناس لا يقتربون من بعضهم، بل ينصحونك بالتعامل بالإشارات بعد أن ملؤوا الدنيا بالثرثرة والصخب!!

الشوارع فارغة، والأوتسترادات والاكسبرس واي تهفوا بها الريح فلا هسيس ولا حسيس، وكأن روادها قد صيح بهم!!

المتاحف وروادها والمعارض ومرتادوها والقصور وحفلاتها والمقاهي وجلاسها والمصانع وخبرائها والمعامل وعمالها والبرلمانات وشغبها والمجالس وصخبها كلها بلا أنيس ولا جليس وكأن داعي الموت قد حلّ بهم وعزرائيل قد طرقهم.

هوليود وممثليها وكان وفنانيها وموناكو ومترفيها ولاس فيغاس ومشاهيرها وحانات الخمور ومخموريها وصالات القمار ومقامريها وبيوت الدعارة بداعريها وقوادها تذوي الرياح في جنباتها فلا تسمع حديثاً ولا همسا..

أنانية الرأسمالية وجبروت الغرب بكل ما أستطاع أن يخلع على نفسه من أبهة وجلال وبكل ما أحاط نفسه بوسائل الخداع وإعلام التجهيل والتضليل يتهاوى كما ورقة الخريف حينما تعصف بها الريح ليبرز أزمة أخلاقية مريعة جداً ستسمع الأجيال القادمة صداها المقزز بكل قرف واشمئزاز.

دول كبرى تعطلت، وشعوب حبست نفسها في بيوتها، واقتصاديات هائلة تهاوت، ورساميل مهولة طارت من أيدي أصحابها، وبورصات انتكست!

كل ذلك والمخلوق العجيب لما يزل حديث النشأة طري العود لا يقبل أن يستقر في مكان لا يدعى إليه، ورغم كل ذلك كان الهاربون منه يستقبلونه بالاحتضان، ولم لا؟ والمستضيفون يرتعون ما بين الغفلة والجهل والغرور والعبث!!

حقيقة قرأت تفاسير كثيرة وتدبّرت وتأملت كثيراً بهذه الآية الكريمة: [حَتَّىٰٓ إِذَآ أَخَذَتِ ٱلۡأَرۡضُ زُخۡرُفَهَا وَٱزَّيَّنَتۡ وَظَنَّ أَهۡلُهَآ أَنَّهُمۡ قَٰدِرُونَ عَلَيۡهَآ أَتَىٰهَآ أَمۡرُنَا لَيۡلًا أَوۡ نَهَارٗا فَجَعَلۡنَٰهَا حَصِيدٗا كَأَن لَّمۡ تَغۡنَ بِٱلۡأَمۡسِۚ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ ٱلۡأٓيَٰتِ لِقَوۡمٖ يَتَفَكَّرُونَ٢٤] سورة يونس: 24. إلا أني أعترف بأني لم أجد مفسراً أبلغ حجّة وأوجز عبارة وأجزل بياناً من هذا المخلوق العجيب الذي اسمه كورونا!

فهل من متعظ يا أمة القرآن؟!

وهل من مدّكّر يا أمة الرسول الأعظم وأهل بيته الكرام؟

فها أنتم بعد أن أخذتكم وأشغلتكم دعوات الملحدين وأجندات الطغيان والاستكبار وصنّاع الجهل والعابثين واللاهين والمترفين عبر حربهم الفكرية وغزوهم الثقافي واختراقهم الأخلاقي بجيوشهم الالكترونية ومنصات تواصلهم الاجتماعية وقنواتهم الفضائية ليبعدوكم عن المبادئ التي تحصنكم والقيم التي تحفظكم والأخلاق التي تحوطكم وتستنزل البركة الإلهية والرحمة السماوية، وقد نزل بكم وبالعالم ما ترونه والأمر لا يعرف متى ينتهي وكيف سينتهي؟ ولكن لا يوجد عاقل ليقول لكم أن النهاية ستكون سهلة، فوالله إن نهاية ذلك ستكون عسيرة للغاية ما لم تتخذوا لأنفسكم عاصماً وتركنوا إلى ما يمكنكم أن تثقوا بركنه، وها أنتم ترون كيف أن الأقوياء تساقطوا والعمالقة قد تهاووا والمتحصنني وقد انكشفوا فلا حصن يحصنهم ولا فكر يدبرهم اللهم إلا للأسوأ، وكونا على يقين بأن عالم اليوم يفكر كيف ينتقم ويستغل ويتسلط بعد أن هوت منظومة السلطة فيه وانهارت أنظمة الضبط لديه.

إن الله لا يزال يدعوكم إليه فهلموا إليه، إذ لا ملجأ من كل الذي يجري إلّا إليه.. وقد جاءكم شهر شعبان المعظم شهر رسول الله صلوات الله عليه وآله بالمغفرة والرحمة فاستغلوه سبيلاً للعودة..

وهذا إمامكم المنتظر صلوات الله عليه لا زال يحوطكم برعايته ويرعاكم برأفته، إذ يقول: إنّا غير مهملين لمراعاتكم و لا ناسين لذكركم ولولا ذلك لنزل بكم اللأواء واصطلمكم الأعداء، فاتقوا الله جلّ جلاله وظاهرونا على انتياشكم من فتنة قد أنافت عليكم، يهلك فيها من حمّ أجله، ويحمى عنها من أدرك أمله، وهي إمارة لأزوف حركتنا ومباثّتكم بأمرنا و نهينا، والله متمّ نوره و لو كره المشركون..

فبادروا لاستنزال لطفه واستدرار دعائه وتوخي إغاثته.. حماكم الله وستر عليكم ووقاكم من كل سوء ودفع عنكم كل عاهة ومرض وشر بحق محمد وآله الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين

والحمد لله أولاً وآخراً وصلواته وسلامه على رسوله وآله أبداً.

ــــــــــــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك