الصفحة الإسلامية

أيّها الوجهاء!! ... مَنْ منكم وجيهٌ حقاً؟ ...بقلم : آية الله الشيخ نمر النمر

1826 07:45:00 2012-07-28

حتى لا يخدع الإنسانُ نفسَه؛ كمن يحيك الكذب على الآخرين، ثم يصدق كذبتَه؛ كان من الضرورة بمكان أن يطرح السؤال الذي عنون به المقال أيها الوجهاء!! ... مَنْ منكم وجيهٌ حقاً؟

فهل أنت وجيه حقاً؟ أم متطفل ومتطاول على الوجاهة؟

هل أنت وجيه باقتدار؟ أم وجاهة ورثتها من أبيك؟ والوجاهة الحقيقية لا توَرَّث.

هل أنت وجيه للمجتمع؟ أم وجاهة سلطة طاغية غاصبة لحقوق المجتمع وهبتك فتاتاً تنسج به قناعاً من الوجاهة التي هي ( أي السلطة ) لا تملكها؟ ولكن وهب الطاغي ما لا يملك.

هل أنت وجيه بمكارم الأخلاق؟ أم وجاهة مالٍ جُمع على حساب القيم والمستضعفين؟ والحال أنه ما جاع فقير إلا بما متِّع به غني.

هل أنت وجيه عند الله؟ أم هي وجاهة مهنةٍ أو فنٍّ أو علمٍ ألبست لباس علم الشريعة نفاقاً، أو لباس فن الحياة بادعاء الأدب مقلوباً، أو لباس مهنة التكنوقراط بزعم الفنون العلمية منكوسة؟ ولكن سماه أشباه الناس عالماً، أو أديباً، أو دكتوراً.

هل أنت وجيه بالقيم والمبادئ؟ أم هي وجاهة بطشٍ وغلبةٍ؛ فرضتها سلطة القوة على المجتمع الضعيف كيف ما كان؟ لأن المجتمع الذي يرفض قوة الحق لا ريب سيغرق في تيه القوة.

فيا أيها الوجهاء ... مَنْ منكم وجيهٌ حقاً؟

وهل أنتم وجهاء حقاً؟ أم متطفلين ومتطاولين على الوجاهة؟

فهل وجاهتكم وجاهة حقيقة مؤسسة على حقائق الوجاهة من التقوى والرضوان الإلهي؟ أم هي وجاهة دعاوي تأسست على دعاوي وأوهام الوجاهة على شفا جرف هارٍ؟ يقول الإمام الحسين عليه السلام: { إلهي من كانت محاسنه مساوئ؛ فكيف لا تكون مساوئه مساوئ. ومن كانت حقائقه دعاوي؛ فكيف لا تكون دعاويه دعاوي }.

هذا سؤال موجه إلى كل مَنْ يَدَّعي الوجاهة في المجتمع، أو يشار إليه بالبنان أنه وجيه اجتماعي؛ وأخص منهم مَنْ يتداخل مع السلطة السياسية، أو الأمنية؛ بلباس ديني، أو شعار سياسي، أو غطاء اجتماعي، أو غير ذلك؛ مبرراً دخوله بالمصلحة الاجتماعية والدينية.

ولذلك من حق المجتمع ومن الرشد والحكمة والعقل أن يسأل المجتمعُ هل هذا الإنسان وجيهٌ حقاً؟ وهل هو لسانُ المستضعفين؟ أم هو بوقُ زورٍ، وعبدٌ ذليلٌ، وذيلٌ حقيرٌ للطاغي؟ ولكنه يستضعف المجتمع، ويتسيَّد على المستضعفين؛ فكثيرٌ - وليس الكل - ممن يدَّعي ويزعم الوجاهة ما هم إلا أبواقُ زورٍ للطغاة، وعبيدٌ لهم؛ حيث اتخذوا الطغاة آلهة لهم لعلهم بعزة الطغاة - كما يتوهمون – يتسيدون على المستضعفين من المجتمع، ويحققون تطلعاتهم الوهمية، وطموحاتهم الشيطانية، وينتصرون على مَنْ ينافسهم الزعامة والتسلط على الناس، ويتغلبون على أزمات ومعوقات الحياة التي يصنعها الطاغي. يقول الله تبارك وتعالى: ﴿ وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ ﴾ (44) سورة الشعراء.

والحال والحقيقة أن العزة لله جميعاً، وليس للطاغي فيها ذرة من خردل. يقول الله تبارك وتعالى: ﴿ الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعًا ﴾ (139) سورة النساء.

ومَنْ يريد العزة فإن العزة جميعاً لله، وعند الله، وفي شرعة السماء، ومنهاج الرسالة. يقول الله تبارك وتعالى: ﴿ مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ ﴾ (10) سورة فاطر.

ولن تتحقق العزة إلا من العزة الإلهية ولا يمكن تحقيق ذلك إلا حينما تستوحِي العزة شرعتها من الشرعة الإلهية، ولن توجد العزة إلا بالعزة الإلهية ولا يمكن تحقيق ذلك إلا حينما تتخذ العزة منهاجها من المنهاج الإلهي؛ فمن العزة الإلهية وبالعزة الإلهية يعتز المؤمنون. يقول الله تبارك وتعالى: ﴿ يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ (8) سورة المنافقون.

إن كل مَنْ يَزعُم الوجاهة ويتسلق صهوة جيادها؛ وهو ليس لها بأهل؛ سيتمرمر في عقدة وداء انفصام الشخصية؛ التي تقلبه في شخصية مزدوجة في تيه وضلال الازدواجية الشخصية المتلونة بالكذب والنفاق؛ فهو يراقب الحراك الاجتماعي ضد الطاغي في صعوده ونزوله، في تقدمه وتراجعه، في إقدامه وتقهقره، في انتصاراته وهزائمه؛ وذلك لاستغلال الأحداث، وسرقة جهود المخلصين؛ لمآربه الشخصية. فحين تكون للمجتمع المكنة والقدرة والغلبة على الطاغي ترى مَنْ يَزعُم الوجاهة يحشر نفسه في الحراك الاجتماعي طلباً لسرقة الغُنْم دون أن يشارك في دفع الغُرْم، ويتضعضع للمجتمع، ويطلب وده ورضاه، بل يتكالب من أجل الصدارة الاجتماعية، وتسلق الوجاهة زاعماً مشاركته ودوره الفعَّال في تحقيق المطالب والأهداف الاجتماعية بعدما كان متعالياً على المجتمع، مستخفاً بقدراته، محتقراً لتطلعاته، مزدرياً لأفعاله؛ وحين ترجح كفة الطاغي على المستضعفين سينقلب على عقبيه، ويهرول لزريبة الطاغي، ويتضعضع له، ويتزلف إليه طالباً لَحْس ذيلِه، والاستطعام من فتات فضلاته. يقول الله تبارك وتعالى: ﴿ الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِن كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِّنَ اللّهِ قَالُواْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ وَإِن كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُواْ أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُم مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً ﴾ (141) سورة النساء.

إن شياطين الجن والإنس والطواغيت يوهمون الناس بأن القدرة والمكنة بيد الطواغيت، ولا مجال ولا يمكن لأحد أن يحقق وجوده، فضلاً عن تطلعاته وأهدافه المشروعة وغير المشروعة، وبالخصوص طموحاته الجامحة إلا عبر بوابة الطاغوت؛ ولأن الله خلق الإنسان بطبعه ضعيفاً؛ لكي يكون الضعف دليلاً قاطعاً، وبرهاناً ساطعاً، ويقيناً كاملاً لمعرفة الله؛ فيستشعر الفقر والحاجة إلى ربه، ويخضع ويتذلل لخالقه، ولا يتجبَّر في البلاد، ولا يدَّعي الإلوهية على العباد، ولكي يبقى الإنسان دائماً يتحسس الضعف البشري في ذاته؛ مما يجعله دائم البحث عن القوة التي بها يستمد العزة، ويحافظ على الكرامة التي لن يجدها إلا عند الله تبارك وتعالى؛ ولن يكون هناك حظ من العزة للطغاة، ولا نصيب لهم، ولا للمنافقين، ولا للكافرين كذلك. يقول الله تبارك وتعالى:﴿ الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعًا ﴾ (139) سورة النساء.

ولكنه بدل أن ينظر بهديِّ عقله، وبصيرة قلبه، ويلجأ إلى الله، ويستلهم منه القوة التي لا تُحد، ويستمد العزة التي لا تمَانع؛ تراه ينظر بضلال هواه، وغشاوة شهواته؛ ولذلك يتكالب على أوهام الآلهة من الجاه، ويلهث وراء آلهة الأوهام من الطغاة؛ لينتصر على ضعفه، ويتعالى على شعبه، ويتسيد على مجتمعه؛ وذلك لأن الطغاة تمكنوا من الإيحاء والإيهام لكثير من أصحاب التطلعات والقدرات من العلماء والوجهاء والمترفين، وجميع الملأ من الناس، وكل الأعيان الاجتماعية؛ بأن استثمار إمكاناتهم، وتفعيل قدراتهم، وتحقيق طموحاتهم، وبلوغ تطلعاتهم؛ لا يمكن بل ويستحيل أن تتحقق من دون تأليه الطاغي، والعبودية له، والخضوع لدولته، والاستسلام لشريعة فساده، والإتباع لنهج طغيانه؛ مما يدفعهم هذا الوهم إلى اتخاذ الطواغيت آلهة من دون الله؛ لعلهم يلحسون ذيل الأمارة، أو يستنشقون النتن من الوزارة، أو يتصدرون كرسي الفتوى أو القضاء، أو يملكون مفاتيح مُصَدِّيَة لسراب خزائن المال والثراء، أو يتسلقون صهوة الوجاهة والزعامة على البسطاء والضعفاء. يقول الله تبارك وتعالى:﴿ وَاتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنصَرُونَ ﴾ 74 سورة يــس.

إنّهم عبيد حتى النخاع لآلهة القوة الوهمية للمال والسلطة الاقتصادية؛ سلطة الدينار والدرهم والدولار. وهُم عبيد إلى درك الغيبوبة لآلهة القوة الوهمية للحكم والسلطة السياسية؛ سلطة الظلم والجور والطغيان. فهم يعبدون الطغاة لكي ينتصروا بعزة الطغيان على كوابح العقل والوحي، ويحققوا جوامح الهوى والشهوات، ويتسلقوا وهْم الزعامة والجاه والتسيِّد على المجتمع.

إن سذاجة الهوى، وغباء الشهوات تسلب الإنسان البصيرة العقلية، وتمنعه من الرؤية الثاقبة، وتحجب عنه الحكمة البالغة؛ فيصاب بالعمى؛ فلا يرى الدليل القاطع، ولا يبصر البرهان الساطع، ولا يستشعر الحجة البالغة؛ فيُشرب قلبَه حب الكفر، ويُشغفه بعشق الفسوق، ويُهيمه في العصيان؛ فلا يرتوي من ظمأ الدنيا أبداً؛ لأنه لم يستسقي إلا ماء البحر الذي لا يزيد شاربه إلا عطشاً؛  فيخرج عن جادة الحق، ويتنكب طريق الهدى، ويعاكس سبيل الرشاد؛ فيسقط في مستنقع ظلمة الجبن والخوف والرهبة، ويهوي في وحل ظلمة الجشع والبطر والطمع، ويتخبط في تيه ظلمة التردد والتلون والببغاوية؛ ظلمات بعضها فوق بعض؛ فلا يكاد يرى الحقائق، ولا يدرك سنن الحياة، ولا يتعظ بوقائع عصره، ولا يستوعب عِبَر الأحداث؛ فيتشبث بقشة الغريق؛ فيشرك بخالقه وربه ومالكه وإلهه، ويعبُد بنسبة معينة آلهة القوة والثروة والجاه، فيفقد بذات النسبة قوته التي وهبها الله له لمصلحة تلك الآلهة المزيفة، وهو يزعُمُ أنه يكتسب منها قوة ومنعة وعزاً وغلبة ونصراً، ولذلك يتخذ الإنسانُ الأعمى نظيرَه الإنسانَ الطاغي إلها من دون رب العزة والكون؛ لينصره أمام سنن الله الحاكمة، وقدَرِه المحتوم، وقضائه المبرم؛ ولذلك نرى أغلب الناس يشركون بربهم. يقول الله تبارك وتعالى:﴿ وَاتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنصَرُونَ ﴾ 74 سورة يــس.

والسؤال هو هل يمكن لهذه الأوهام أن تتحول إلى حقيقة؟ وهل يمكن للأوهام الذهنية أن تصنع على أرض الواقع واقعاً حقيقياً في الخارج مستوحى من الخيال الوهمي والأحلام الذهنية الوهمية؟ وهل يقوم الطغاة بنصر المتملقين لهم والعابدين لسلطانهم من المنافقين والدجالين؟.

1/5/728

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك