الصفحة الاقتصادية

الهبوط الصامت... العوامل الخفية التي أسقطت الدولار في بغداد


شهد شهر أيار 2025 واحدة من أكثر مراحل التقلب استثنائية في سعر صرف الدولار مقابل الدينار العراقي، حيث تراجع سعر الدولار بشكل تدريجي ومثير، ما أثار موجة من التساؤلات في السوق، ودفع المختصين إلى تفكيك الأسباب التي تقف خلف هذا التحول المفاجئ.

في هذا السياق، قدم أستاذ الاقتصاد في جامعة جيهان بمحافظة دهوك، نوار السعدي، اليوم الثلاثاء (27 أيار 2025)، تحليلًا مفصلًا لـ"بغداد اليوم" حول هذا التراجع، مبينًا أنه لا يمكن اختزال الظاهرة في سبب واحد، بل إنها نتيجة تراكب عوامل نقدية وتجارية وسلوكية وحتى سياسية إقليمية.

تشبع السوق بالدولار.. من أين جاء الفائض؟

يقول السعدي إن أبرز ما يُلاحظ هو أن "المعروض من الدولار أصبح أعلى من المعتاد، لكن ليس بسبب ارتفاع إيرادات النفط كما يُعتقد، بل نتيجة عوامل أخرى، من أبرزها تزايد التحويلات المالية من الشركات الأجنبية، والاستثمارات غير النفطية، إضافة إلى عمليات تهريب الدولار العكسي من دول مجاورة تواجه شحًا في العملة الصعبة".

هذا "الفيض المؤقت" من الدولار – بحسب وصفه – خلق حالة من التشبع في السوق العراقية، ما جعل الدولار متوفرًا بشكل يفوق الطلب عليه، وبالتالي دفع بسعره نحو الانخفاض.

تحول سلوك المواطن.. هل فقد الدولار مكانته في الادخار؟

لكن المشهد لا يُفسّر فقط بمعادلة العرض والطلب التقليدية، بل أيضًا بسلوك الناس، كما يوضح السعدي، مضيفًا أن "المواطن العراقي بدأ يفقد الثقة بالدولار كأداة ادخار، ليس لأنه ضعيف عالميًا، بل لأن الدينار بدأ يُظهر استقرارًا ومكاسب ملموسة".

هذا التحول دفع كثيرين إلى بيع ما لديهم من دولارات، وتحويلها إلى الدينار أو الذهب، ما ساهم في زيادة المعروض من الدولار وتقليل الطلب عليه، وبالتالي دعم الدينار بشكل غير مباشر.

البنك المركزي يتدخل.. ويمتص السيولة

يرى السعدي أن "سياسة البنك المركزي العراقي لعبت دورًا محوريًا في المشهد"، موضحًا أن المؤسسة النقدية قامت بـخفض الكتلة النقدية من الدينار بأكثر من 6 تريليونات دينار خلال أشهر قليلة، في خطوة تندرج ضمن ما يُعرف بـ"امتصاص السيولة".

وهذه السياسة، بحسب تحليله، أدت إلى تقليل كمية الدينار المتاح في السوق، ما زاد من قيمته أمام الدولار، وخلق بيئة انكماشية ساعدت على ضبط التضخم وتعزيز ثقة المواطن بالعملة المحلية.

انكماش الاستيراد.. وتبدل خارطة التجارة

وبحسب السعدي، فإن جانبًا مهمًا من انخفاض سعر الصرف يرتبط كذلك بتراجع الاستيراد من بعض الدول الكبرى مثل الهند وتركيا والولايات المتحدة، رغم وجود استثناء ملحوظ في الواردات القادمة من الصين. ويُفسّر هذا التراجع إما بانخفاض الاستهلاك المحلي، أو بإعادة ترتيب أولويات الإنفاق.

وفي كلا الحالتين، ينخفض الطلب على الدولار المستخدم في تسديد أثمان الواردات، ما يخلق فائضًا نسبيًا في السوق المحلية، ويضغط على السعر نزولًا.

مفاوضات خلف الكواليس.. هل خفّ الطلب على الدولار في تجارة إيران؟

اللافت في قراءة السعدي هو تحليله لما سمّاه "العامل الإقليمي الصامت"، حيث يشير إلى احتمال وجود مفاوضات غير معلنة بين طهران وواشنطن خففت من وطأة القيود المالية، ما أدى إلى تراجع حاجة بعض التجارات غير الرسمية (بين العراق وإيران) إلى الدولار.

وهذا التراجع، بحسب قوله، قلّص الطلب على العملة الصعبة التي كانت تُستخدم في تمويل أنشطة ظلّية وغير شفافة، ما انعكس على السوق المحلي بوفرة الدولار وتراجع قيمته.

هل يستمر الانخفاض؟.. المستقبل مرهون بعنصرين

رغم هذا التراجع اللافت، لا يُجزم السعدي بأن الاتجاه سيستمر طويلًا، مبينًا أن مستقبل سعر الدولار في العراق "مرهون بعنصرين": استمرار السياسة النقدية الحالية بصرامة واستقرار، وقدرة السوق العراقية على الحفاظ على تدفق العملة الصعبة بعيدًا عن المضاربات أو الأزمات الإقليمية.

ويختتم السعدي تحليله بالتحذير من أن أي اهتزاز في هذه المعادلات قد يُعيد السوق إلى نقطة الصفر، مؤكدًا أن "الثقة لا تُبنى فقط بالسياسات، بل أيضًا بالاستمرارية والشفافية".

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
علي : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نتمنى من أدارة المطار أن تسمح بدخول السيارات لأستقبال المسافر لأن نحن ...
الموضوع :
وزارة النقل تعلن قرب افتتاح ساحة النقل الخاص بمطار بغداد الدولي
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
زياد مصطفى خالد : احسنت تحليل واقعي ...
الموضوع :
مسرحية ترامب مع زيلنسكي والهدف الامريكي !!
ابو حسنين : انظرو للصوره بتمعن للبطل الدكتور المجاهد والصادق جالس امام سيد الحكمه والمعرفه السيد علي السستاني بكل تواضع ...
الموضوع :
المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني يستقبل الطبيب محمد طاهر أبو رغيف
قتيبة عبد الرسول عبد الدايم الطائي : السلام عليكم اود ان اشكركم اولا على هذا المقال واستذكاركم لشخصيات فذة دفعت حياتها ثمنا لمبادئها التي ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
م خالد الطائي : السلام عليكم, شكرا لصاحب المقال, عمي مالك عبد الدايم الطائي: خريج 1970م، تخرج من كلية العلوم بغداد ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
ام زهراء : مأجورين باىك الله فيكم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
فيسبوك